الإدّخار طار… ذهبٌ أم استثمار؟
كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
طيَّرت الأزمة الاقتصاديّة التي حلَّت كالإعصار مُدخّرات اللبنانيّين مُغتربين ومُقيمين، فتبخَّرت الكثير من الأحلام والمُخطّطات التي رُسمت للسنوات والأجيال المُقبلة، ولم تعُد عادة ادّخار المال سائدة في لبنان نظراً لانعدام الثقة بالمصارف والدّولة بشكلٍ خاصّ.
في المُقابل، لجأ اللبنانيّون الى طُرقٍ أخرى لتحقيق “الأمن المالي”، أبرزُها شراء الذهب، هذه العادة التي لطالما اعتمدها أسلافُنا للشعور بنوعٍ من الأمان والاكتفاء، حتّى انّ الدولة اللبنانية التي تحتلُّ المرتبة 20 عالمياً باحتياطي الذهب، تحتمي اليوم بما لديها من مخزون، فمصرف لبنان يملك نحو 10 ملايين أونصة ذهب تُقدَّر قيمتها بنحو 19 مليار دولار، وتُعتبر آخر “خرطوشة” للدولة.
وفي هذا السيّاق، سلَّطت “الدّوليّة للمعلومات” الضّوء على استيراد لبنان للذهب والمجوهرات الذي سجّل ارتفاعاً قياسيّاً في العام 2023، إذ سجّلت حركة الاستيراد نحو 1.49 مليار دولار، واعتبرت في تقريرها أنَّ هذا الأمر هو دلالةٌ واضحة على “ادّخار” اللبنانيّين للذهب والمجوهرات بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة.
يُشير الباحث في الدّولية للمعلومات محمّد شمس الدّين الى أنّه “تاريخيّاً، وقبل نشوء النقود والمؤسّسات المصرفيّة، كان الذهب وسيلة للتبادل التجاري ولحفظ الأموال، ولكن بعد إنشاء المصارف بدأ الأفراد بالتخلّي عن الذهب لصالح الأوراق النقديّة لأنها محطّ ثقة كونها صادرة عن الدّولة، وأيضاً لأنها تدرُّ أرباحاً مالية إذا وضعت في المصارف عبر الفوائد، على عكس الذهب الذي ندفعُ لنضعه في المصرف، ولكنّ في المقابل، هناك من استمرّ بالحفاظ على عادة شراء الذهب وتخزينه وتقديمه على شكل هدايا”، مُضيفاً في حديث مع موقع mtv: “اليوم، وبعد الانهيار الاقتصادي وانعدام الثقة بالمصارف وبالنقد أكان بالليرة اللبنانيّة أو بالدولار، نُلاحظ أنّ هناك فئات عدّة من مختلف المستويات الاجتماعيّة توجّهت الى توظيف الأموال في شراء الذهب من أونصات أو حتّى مجوهرات، وأمام هذا الواقع ارتفعت أرقام استيراد الذهب والمجوهرات التي أصبحت هي مدخّرات اللبنانيّين”، متوقّعاً “استمرار هذه الظاهرة لحين استعادة الثقة بالقطاع المصرفي والنقد الورقي”.
وماذا عن الاتّجاه نحو الاستثمار؟ يُجيب شمس الدّين: “تراجعت أسعار العقارات في لبنان من جراء الأزمة وأصبحت عامل جذب لمن يملك عملات أجنبيّة نقداً ما شكّل فرصة للاستثمار بالعقارات، لأنه عند تحقيق أيّ استقرار اقتصادي وسياسي، فإنّ العقارات سوف تستعيدُ قيمتها الفعليّة، وعلى سبيل المثال، هناك شققٌ كانت تُسعَّر بمليوني دولار وباتت تُباع بمليون، وأخرى بـ300 ألف دولار وأصبحت تُباع بـ200 ألف دولار ما يُشجّع من يملك أموالاً نقدية”، لافتاً الى أنّ “قيمة هذه العقارات سترتفع 100 في المئة في غضون سنوات قليلة، أما لو خُصِّصت هذه الأموال لشراء الذهب فلن تدرّ هذا الرّبح”، ويختمُ بالقول: “الاستثمار العقاري طريقة مُجدية في لبنان في هذه الفترة لحفظ الأموال وتحقيق الأرباح”.
الادّخار في المصارف طار، حقيقةٌ يصعُب على البعض تقبّلها، وواقعٌ يُحتّم البحث عن أساليب جديدة لتحصين ما ينتظرنا من أيّام مُقبلة. ولِمَن يملك “الكاش”، بين الذهب والاستثمار… ماذا سيكون الخيار؟