النزوح الجديد”: الجيش ليس الحلّ ولا زيارة سوريا
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
باتت الحدود اللبنانية – السورية كلّها على الخط الشمالي عبارة عن «معبر مفتوح» لتهريب السوريين إلى لبنان، بما يفوق قدرة الجيش اللبناني على ضبطها بنسبة مئة في المئة ومنع هذا التسرّب السوري البشري الخطير، خصوصاً أنّ «النازحين الجُدد» من الشبان وليس العائلات وتراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة، ويشكّلون قنبلة موقوتة بحسب مصادر معنية بملف النزوح.
على الرغم من أنّه لا يُمكن القول إنّ هناك تنظيماً سورياً واضحاً مسلّحاً في لبنان، إلّا أنّ نسبة الجرائم التي تُرتكب من سوريين ونوعيتها تدلّ إلى الخطر الذي يشكّلونه. وعلى سبيل المثال، وفي ظاهرة خطرة، إضافةً إلى جرائم القتل والخطف والاغتصاب وتجارة المخدرات… وعدم اتساع السجون للسوريين المرتكبين، يلفت متابع للملف إلى «استئجار» سوريين من قبل لبنانيين لتنفيذ جرائم قتل مواطنين آخرين، وشهدت مناطق في جبل لبنان ثلاث جرائم من هذا النوع في الأشهر الأخيرة.
عوامل تصعّب مهمة الجيش
حركة النزوح من سوريا إلى لبنان لم تتوقف يوماً منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، إلّا أنّ وتيرتها ارتفعت بنسبة كبيرة في الأشهر الأخيرة، بحيث يتصدّى الجيش يومياً إلى المئات من السوريين الذين يحاولون الدخول إلى لبنان خلسةً وعبر معابر التهريب، ويجهد لإيقاف معظمهم وإعادتهم إلى الحدود السورية، من دون إمكان تحديد عدد الذين تمكنوا من الفرار والدخول إلى لبنان. وهناك خشية كبيرة من أهداف هذا النزوح، والتي قد يكون من ضمنها هدف أمني ما، إلى جانب الأسباب الاقتصادية والسياسية وهدف الهجرة غير النظامية عبر المياه اللبنانية.
الطبيعة الجغرافية للحدود اللبنانية – السورية حيث تتداخل أراضي الدولتين وحتى المنازل، وعدم إستخدام قوة العنف مع النازحين، وعدم جدية الإجراءات الحكومية وتخاذل كثير من القوى السياسية، فضلاً عن تغطية المجتمع الدولي للنزوح السوري إلى لبنان ونيته بالإبقاء عليه وصولاً إلى الإرادة بدمج هؤلاء في المجتمع اللبناني، إضافةً إلى استخدام النزوح ورقةً في الحلّ السياسي في سوريا وتساهل القضاء مع «المهرّبين» بحيث يمتنع عن توقيفهم أو يطلق سراحهم سريعاً بعد أن يكون الجيش قد أوقفهم… كلّها عوامل دفعت إلى رمي مسؤولية صدّ «النزوح الجديد» على الجيش اللبناني، فيما هو لا يمكنه لوحده منع هذا النزوح.
مسؤولية النزوح تقع على عاتق النظام السوري بحسب مصادر معنية بهذا الملف، خصوصاً «النزوح الجديد، لذلك إنّ الخطوة الأساس للحؤول دون هذا النزوح بوتيرة مرتفعة تبدأ من سوريا، فطالما أنّ هناك تسهيلات لمرور هؤلاء النازحين من الجهة السورية، عمداً أو عن طريق التجارة والرشى وتقاضي الأموال، فستبقى مهمة الجيش صعبة وضاغطة جداً.
وبحسب المعدلات التكتية لنشر القوى بشكل دفاعي تكون جبهة الفوج بطول 8 إلى 10 كلم. وبالتالي تحتاج الحدود اللبنانية – السورية إلى خمسة أضعاف القوى المنتشرة حالياً، وذلك في حالة المراقبة وضبط الحدود كحد أدنى. وهذا المُعطى دليل كافٍ إلى عدم قدرة الجيش على التصدي للنزوح بالكامل، علماً أنّ عصابات تهريب الأفراد، تؤمّن معابر لـ»المُهرَّبين» عبر الشريط الحدودي كلّه.
لذلك وصّفت أكثر من جهة، ومن بينها قائد الجيش، هذه الموجة من النزوح بالتهديد أو الخطر الوجودي. إذ بمعزل عن أهداف هذا النزوح ونتائجه، فبمجرد أن يصبح عدد السوريين في لبنان أكثر من عدد اللبنانيين، ويستنزفون الطاقة ولا يصرفون الأموال في لبنان ويحصلون على مساعدات ولا يدفعون أي ضرائب أو رسوم، إضافةً إلى المشكلات والاعتداءات التي يرتكبها عددٌ منهم… ستشعر غالبية الفئات اللبنانية بأنها باتت أقلية وبالغبن و»الغربة» في بلدها ما يدفعها إلى الهجرة.
لا استخدام للعنف
القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة لمواجهة موجة النزوح الجديد déjà vu، ولا تشكّل الضغط الكافي لا لمنع النزوح ولا لتحقيق عودة النازحين الموجودين أساساً في لبنان. وتعتبر جهات معنية أنّ هناك تعاملاً سياسياً دون مستوى الخطر الداهم من هذا النزوح، من «تفشيل» جلسة مجلس الوزراء المخصّصة للنزوح قبل ظهر أمس الأول، إلى «تخفيف اللهجة» في جلسة بعد الظهر، إضافةً إلى أنّهم «يحورون ويدورون» ثمّ يطلبون من الجيش تشديد الإجراءات على الحدود، فيما هو يقوم بأقصى ما يستطيع فعله، فما الذي بإمكانه تنفيذه غير إعادة من يتمكّن من إيقافهم إلى سوريا؟
فضلاً عن التهرّب من تحمّل المسؤولية السياسية فالإشكالات المستمرّة حول الوفد أو اللجنة التي ستتوجه إلى سوريا ومن ستضمّ تشير إلى عدم استيعاب جهات عدة لمدى حجم المسؤولية الوطنية الكبيرة المترتّبة على الجميع في هذا الملف الوجودي.
حجم خطر النزوح الإضافي دفع البعض إلى الدعوة إلى «تغطية سياسية» للجيش لإطلاق النار على كلّ من يحاول الدخول إلى لبنان بطريقة غير شرعية، إلّا أنّ هذا الإجراء متعذّر التحقق لأسباب إنسانية إضافةً إلى ما قد ينتج عنه من تداعيات ومواقف وإجراءات دولية، فـ»أحد» لا يمكنه أن يحمله لا الجيش ولا الحكومة، بحسب مصادر مسؤولة، مشيرةً إلى حادث «زورق الموت» الذي غرق قابلة شاطئ طرابلس بسبب ارتطامه بزورق للجيش، وعلى رغم أنّ الجيش حاول إنقاذ ركاب الزورق، شُنّت حملة عليه لفترة طويلة وطاولته اتهامات بـ»قتل» هؤلاء وهو يحاول منعهم من الهجرة.
وتقول المصادر نفسها: «ينتقدون الجيش إذا منع الهجرة غير النظامية وينتقدونه إذا لم يمنعها، وهكذا الآن يلقون المسؤولية عليه، ومهما فعل لا يرضي الجميع». وبالتالي، لن يعمد الجيش إلى إطلاق النار على المتسلّلين أو الهاربين من سوريا إلى لبنان، إلّا إذا حصل اشتباك معهم إثر محاولتهم الإعتداء على عناصره، كما حصل في حادثة منذ فترة حيث اضطر الجيش إلى إطلاق النار، فأحد لن يتفهّم إطلاق النار بلا اشتباك وإذا كان من يحاول التسلّل «داعشي» أم لا.
زيارة سوريا لـ»التطبيع»
إذاً، خطوة منع النازحين بالقوة من الدخول إلى لبنان ساقطة. وتعتبر جهات سياسية عدة، وفي مقدّمها «حزب الله» أنّ المسؤولية الكبرى تقع على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وغير الحكومية، التي تشجّع السوريين على النزوح إلى لبنان عبر المساعدات التي تقدّمها، فيما تغرق سوريا في أزمة اقتصادية حادّة. ويرى أنّ الحلّ لعودة النازحين يأتي عن طريق التواصل مع سوريا، إنما ليس عبر لجنة يرأسها وزير الخارجية والمغتربين بل عبر وفد برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي عليه أن يطلب موعداً للقاء الرئيس السوري بشار الأسد للتوصل إلى اتفاق لبناني- سوري على أعلى المستويات.
في المقابل تعتبر جهات سياسية أنّ الزيارات إلى سوريا «ذر للرماد في العيون»، فهل ينتظر النظام السوري زيارة مسؤول لبناني لإعادة شعبه؟ وأليس هو من هجّر مواطنيه؟ ولماذا لا يمنع موجة النزوح الجديدة من الجهة السورية؟ أم أنّ المطلوب كما حصل مراراً وتكراراً مع حكومات سابقة، استغلال موضوع النزوح لإعادة «التطبيع»؟
أعيد 23 ألف سوري
بالأرقام التفصيلية التي اطّلعت عليها «نداء الوطن»، وعُرضت في جلسة مجلس الوزراء أمس الأوّل، تمكّن الجيش خلال عام 2023 (حتى 6 أيلول الجاري) من إعادة 23 ألفاً و597 سورياً ضُبطوا على الحدود يدخلون إلى لبنان بطريقة غير شرعية، كالآتي: كانون الثاني: 1697، شباط: 2272، آذار: 3643، نيسان: 2721، أيار: 1462، حزيران: 1465، تموز: 2715، آب: 6552، وأيلول: 1070. إضافةً إلى هؤلاء، أحبطت وحدات من الجيش، خلال الأسبوع الجاري، محاولة تسلّل نحو 1250 سوري.