هل يُهدّد تمدّد الفراغ بخسارة الموارنة حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش؟

لبنان يوليو 9, 2023

كتب سعد الياس في “القدس العربي”: 

بدأ العد العكسي لتمدد الفراغ إلى المواقع المارونية الأساسية في الدولة اللبنانية وفي طليعتها حاكمية مصرف لبنان حيث تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الحالي وتتبعها في كانون الثاني 2024 ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون مع ما يعنيه هذان المنصبان من مبعث اطمئنان للمسيحيين إلى جانب رئاسة الجمهورية.

وإذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية كل من سلامة وعون، فإن بين الاحتمالات هو إقدام حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان طالما أن رياض سلامة يرفض تمديد ولايته أو البقاء كمستشار للمجلس المركزي، فيما لم يُعرَف بعد ماذا سيكون مصير قيادة الجيش ولمن ستؤول في غياب رئيس الأركان الدرزي الذي لم يُعيّن بديل عنه.

وفي حال تمدّد الفراغ إلى حاكمية المصرف المركزي وقيادة الجيش يكون الموارنة فقدوا أبرز موقعين في الدولة، وتكون الهواجس بدأت تكبر شيئاً فشيئاً في ظل ما يتردد منذ فترة عن خشية من وضع اليد على أحد هذين الموقعين من قبل الثنائي الشيعي كما حصل مع منصب المدير العام للأمن العام وبعده مع وزارة المالية.

وما يزيد من هذه المخاوف هو استحضار ما سبق وطالب به ممثل حزب الله ضمناً في مؤتمر «سان كلو» لجهة المثالثة في لبنان بدل المناصفة والتسريبات المتتالية حول ضرورة استحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية يُسند لشيعي تحقيقاً لحضور الطائفة الشيعية في السلطة التنفيذية. ويعتبر خصوم حزب الله أن دعواته المتكررة إلى الحوار حول رئاسة الجمهورية تخفي وراءها رغبة في إحداث تغييرات في النظام والحصول على مكاسب سياسية في السلطة رغم نفي رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أي دعوة لصيغة جديدة ومن ثم نفي المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل.

وإزاء هذا الوضع، فإن بكركي والأحزاب المسيحية ستكون أمام خيارين أحلاهما مر: الأول هو الفراغ في حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وتولي مهامهما من غير الطوائف المسيحية، والثاني هو تعيين حكومة تصريف الأعمال الناقصة الشرعية حاكماً جديداً لمصرف لبنان وإجراء تعيينات في المجلس العسكري أو في قيادة الجيش متجاوزة الشغور في رئاسة الجمهورية، وهو ما يعترض عليه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لعدم التطبيع مع الفراغ الرئاسي وتكريس أمر واقع أنه يمكن حكم البلاد من دون رئيس يمثّل المسيحيين.

من هنا يتم التفكير بمخارج لتلافي الفراغ أو الأمر الواقع من خلال إقدام نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة على ترجمة قرارهم بإتخاذ الإجراء الذي يرونه مناسباً للمصلحة العامة في حال عدم تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وقد فُسّر هذا الإجراء بلجوء النواب الأربعة إلى الاستقالة الجماعية، فيقترح عندها وزير المال يوسف خليل الطلب من الحاكم ونوابه تصريف الأعمال تأميناً لاستمرارية المرفق العام إلى حين تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وذلك عملاً بسابقة حصلت عام 1984 مع الشيخ ميشال الخوري الذي طُلب منه من قبل وزير المال الاستمرار في مهامه إلى حين تعيين إدمون نعيم حاكماً في كانون الثاني 1985.

وفي هذا المجال، ثمة مَن يسأل عن موقف رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية المرشح للرئاسة من الخيارين المطروحين أعلاه ومن التغييرات البنيوية التي يفرضها هذا الواقع بسبب تمسك الثنائي الشيعي بمعادلة «مرشحنا أو الفراغ» والتي تأتي على حساب حقوق المسيحيين الذين يترشح لتمثيلهم في سدة الرئاسة الأولى. وهل في استطاعة فرنجية أن يتحمّل تبعات هذه المعادلة على مستقبل الوضع المسيحي بسبب تمسك الثنائي بترشيحه الذي لا أفق له لغاية الآن ورؤية المواقع المارونية تشغر أو تسقط تباعاً؟ وإذا كان من أفق لهذا الترشيح لماذا لا تُفتَح أبواب المجلس النيابي لعقد جلسات انتخاب متتالية من دون تطيير النصاب وليربح مَن يربح من المرشحين؟ وإلا لماذا كانت تُرمى مسؤولية الشغور الرئاسي على عدم اتفاق الموارنة أولاً وعلى عدم اتفاق المعارضة، وها هم قد اتفقوا وقوبلت خطوتهم بتهريب النصاب في الدورة الثانية.

وفي اعتقاد هؤلاء أن عدم الالتزام بالآليات الانتخابية تحت قبّة البرلمان هو خروج عن النص الدستوري وتنصّل من المؤسسات الدستورية في اتجاه تكريس أعراف خلافاً لاتفاق الطائف وكل ذلك تحت ستار الحوار للتغطية على معادلة الثنائي وتبرير التعطيل. ولو تمّ الالتزام بالآليات الديمقراطية ولم يُصَر لتطيير النصاب في الدورة الثانية لكان لدينا حالياً رئيس جمهورية هو الوزير السابق جهاد أزعور بأغلبية 65 صوتاً لأن نواب «تكتل الاعتدال الوطني» كانوا وعدوا المعارضة بالتصويت لأزعور في الدورة الثانية بعدما صوّتوا في الدورة الاولى بعبارة «لبنان الجديد».

وعلى خط الحديث عن تفريغ المواقع المسيحية في الدولة، هناك أكثر من وجهة نظر. ففي وقت تسود هواجس لدى بعض المسيحيين من خسارة مواقع رئيسية كحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، فإن قيادياً مسيحياً يعتبر الأمر ظرفيا، وأنه لن يؤثر على المناصفة المكرّسة في اتفاق الطائف. ويعدّد القيادي عدداً من المواقع التي يشغلها مسلمون وشغرت بفعل غياب التعيينات وفي طليعتها موقع المدير العام للأمن العام حيث حلّ اللواء الياس البيسري المسيحي مكان اللواء عباس ابراهيم الشيعي، إضافة إلى شغور موقع رئيس أركان الجيش الدرزي أمين العرم، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، ومدير عام الإدارة في الجيش، ومدير عام مجلس الجنوب ومدير عام الشباب والرياضة وقريباً رئيس المجلس الأعلى للجمارك، وكلها مواقع للطوائف الإسلامية، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة الشغور في هذه المواقع الإسلامية هي 44 في المئة مقابل 37 في المئة في المواقع المسيحية.

ويؤكد القيادي أن «لا تأثير لأي حديث عن المواقع المسيحية أو حتى عن الديموغرافيا على واقع السياسة وعلى الوجود المسيحي في السلطة، لأن المسألة غير مرتبطة بالعدد، ولا أحد يستطيع أن ينتزع من المسيحيين شيئاً. وحتى عندما أخذت الطائفة الشيعية المديرية العامة للأمن العام أخذ المسيحيون بدلاً منها المديرية العامة لأمن الدولة». ويضيف «أن حزب الله لا يجرؤ على النطق بأنه يريد موقع نائب رئيس الجمهورية اللبنانية أو قيادة الجيش لأنه يدرك حجم المواجهة لمثل هذا التوجه. وإذا أراد حزب الله أو غيره الحديث عن الديموغرافيا، عظيم، نحدّثهم عن ضرورة اقرار اللامركزية الموسعة». يبقى أن أياماً قليلة تفصل انتهاء ولاية رياض سلامة عن مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بعد منتصف تموز/يوليو إثر تقديم تقريره للإدارة الفرنسية نتيجة زيارته الاستطلاعية حول كيفية انجاز الاستحقاق الرئاسي بما يعيد انتظام عمل المؤسسات، لكن لا تأكيدات حول ما سيحمل معه من اقتراحات لانجاز الانتخابات الرئاسية سواء عبر طاولة حوار أو غيرها، في وقت لم يطرأ أي تبدّل في مواقف الكتل، وعُلم أن القوات اللبنانية أبلغت الموفد الفرنسي اعتراضها المسبق على الحوار. فهل ستحمل زيارة لودريان أملاً في مكان ما؟ وهل يستمر تقاطع الأحزاب المسيحية الذي خلط الأوراق وشكّل مفاجأة غير متوقعة لكثيرين ولاسيما أن هذه الأحزاب باتت تشعر أنها أمام مرحلة مصيرية؟

:شارك الخبر