“الثنائي” وسيناريو التمديد رئاسياً: كلّه وارد
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في ردّه على سؤال فضّل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب انتظار «نهاية مسلسل التمديد لقائد الجيش لنعرف من الذي انتصر». حتى اليوم لا تزال جلسة التمديد الشهيرة تخضع إلى تحليلات النواب وإمكانية أن تكون محطة يمكن البناء عليها رئاسياً. فالنتيجة وإن انتهت إلى التصويت بالتمديد لقائد الجيش، فإنّ أهميتها لا تكمن من وجهة نظر نيابية في الأرقام التي صوّتت للتمديد، بل في التخريجة السياسية التي أنتجت تمديداً وأصابت سهامها علاقة الحليفين أي «حزب الله» و»التيار الوطني الحر».
لا يمكن للأرقام التي نالها التمديد أن تشكّل أرضية صلبة تؤهّل قائد الجيش ليكون مرشحاً رئاسياً، لكن في الحسابات السياسية وبالنظر للمفاجأة التي جاءت من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّ وصوله لم يعد مستبعداً إذا قرّر «حزب الله» التعامل مع رئاسة الجمهورية كما تعامل مع التمديد. تماهٍ مع الضغوط الغربية وعدم الخروج عن الإجماع المسيحي، وإن لم يكن كاملاً، ما دام سيحول دون الفراغ في المركز الثالث للموارنة.
يريح «حزب الله» التمديد لجوزاف عون ويخفّف عنه الضغوط رئاسياً، في وقت يحتلّ الوضع في الجنوب وحرب غزة سلّم أولوياته. ومن ناحية بري، فقد أصاب في تصويبه على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مجدداً، وهو الذي أرسل إليه نصيحة بالتواتر «ليتعلم كيف يشتغل سياسة».
كان يمكن لباسيل ألا يمنح معركته ضد التمديد طابعاً شخصياً، خصوصاً أنّ تعيين جوزاف عون جاء برغبة الرئيس السابق ميشال عون. وأياً تكن الاعتبارات، كان يمكن تقطيع التمديد ولو لسنة بدلاً من فراغ سيعمّق الفراغ الرئاسي وساحة الجنوب ملتهبة وسط التخبّط الذي تشهده المنطقة. ويأسف البعض لإصرار باسيل على إبقاء حساباته ضمن نطاقها الضيق وتجاوز حسابات حليفيه الاستراتيجية.
خروجه من الجلسة، وإن برّره «حزب الله» بالتضامن مع موقف حليفه، لم يلغِ واقع أنّ «الحزب» دفع في اتجاه التمديد ولم يتصدَ له، وغلّب حساباته على اعتبارات باسيل المسيحية. في مكان ما ردّ «حزب الله» على رفض باسيل ترشيح سليمان فرنجية، لم يتجاوز بعد رفض الحليف طلب أمينه العام تأييد فرنجية، وفي مكان فقد ردّ على الرفض بالمثل ولم يلتزم الطلب الذي حمله الحاج وفيق صفا من الجنرال ميشال عون بواسطة باسيل بوقف التمديد. ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يفترق فيها الحليفان ويقعان في خلاف على الخيارات، ولم يعد مستبعداً أن ينتهي الفراغ إلى تسوية توصل جوزاف عون إلى بعبدا مشابهة لتلك التي أمّنت استمراره على رأس المؤسسة العسكرية.
ففي حين يعاود بري ممارسة فتواه ذاتها التي سبق وطبّقها في أعقاب انتخاب ميشال سليمان، حين اعتبر أنّ الإجماع عليه يعفيه من تعديل الدستور لانتخابه، يرضى «حزب الله» بترشحه من دون التزام التصويت ويتكرر سيناريو انتخاب ميشال عون بشكل معاكس. ينتخب بري وكتلته النيابية قائد الجيش بينما يخرج «حزب الله» من القاعة أو يمتنع عن التصويت. وهنا يسقط سليمان فرنجية لعدم قدرته على نيل غالبية 65 صوتاً بينما يفوز جوزاف عون بغالبية 86 صوتاً تغنيه عن تعديل الدستور.
مثل هذه الفرضية لم تعد مستبعدة نظراً الى الاتصالات التي أنتجت التمديد، وإصرار بري على هندسة الجلسة فيما كان «حزب الله» يسعى إلى إنجاح لقاء قائد الجيش بمرشحه الرئاسي سليمان فرنجية. على خطى العلاقة عمل وزير «المردة» يوسف فنيانوس الذي نسّق خطواته بالاتفاق المسبق مع «حزب الله»، وعلى علم أميركي عبر أحد المقربين من فرنجية أيضاً. خلال اللقاء اتفق القائد والمرشح الرئاسي على أنّ وصول أي منهما يعني وقوف الآخر إلى جانبه. كان المطلوب من اللقاء أن يعكس حقيقة حصر المعركة الرئاسية في خيارين لا ثالث لهما، فإمّا فرنجية أو جوزاف عون.
يستمر فرنجية مرشحاً رئاسياً إلى أن يلمس بنفسه صعوبة وصوله فيتنحّى، ويكون قائد الجيش المرشح الثاني ويتولى بري إدارة السيناريو بالاتفاق مع بكركي، وبالتماهي مع «القوات اللبنانية» التي خرج رئيسها يدعوه إلى التوافق ثنائياً على مرشح رئاسي بلا «حزب الله» ولا «التيار الوطني الحر».
في أعقاب جلسة التمديد أجمع سفراء الدول المعتمدون في لبنان على أنّ تجربة التمديد يمكن أن تستكمل في الرئاسة، وكان السؤال الأساسي عن الثنائي الشيعي، فهل يطبّق بري السيناريو ذاته ويعتمد «حزب الله» سياسة غضّ الطرف؟ ويكون ذلك انعكاساً لتسوية إيرانية – أميركية تتبلور معالمها رئاسياً، ويكون رئيس «التيار الوطني» الخاسر الأول؟ الجواب من «التيار» أنّ كل شيء وارد، ومن «حزب الله» لا نفي، ولكن لا تأكيد، والثابت الوحيد أنّ الرئاسة مؤجلة إلى ما بعد انتهاء حرب غزة.