كتبت سلوى البعلبكي في “النهار”:
كانت العاصمة الأميركية واشنطن في الأيام الماضية محطة لبنانية أساسية شاركت فيها وفود وزارية ونيابية. وكانت من بينها زيارة وُصفت بالدسمة لرئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، التي أتت بدعوة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمشاركة في “اجتماعات الربيع” (Springmeetings) والتي تضم أكثر من 190 دولة، ويشارك فيها وزراء مال واقتصاد وحكام مصارف مركزية، اضافة الى برلمانيين توجّه اليهم دعوات خاصة.
وفي هذا الإطار، كان للبنان حيز مهم في هذه الإجتماعات، لاسيما مع بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان التي تتولى منذ حصول الانهيار في العام 2019، عملية التفاوض مع الحكومة اللبنانية للوصول الى اتفاق نهائي.
ووفق معلومات “النهار”، فإن قضية الودائع شكلت أحد المحاور الأساسية في اجتماع النائب كنعان مع بعثة الصندوق برئاسة ارنستو راميريز، واجتماعه مع المدير التنفيذي للبنك الدولي عبد العزيز الملا، لا سيما عدم تجاهل هذه الودائع باعتبارها التزامات من المفترض معالجتها لا شطبها، اذا كان الهدف الوصول الى اتفاق يطبق ويقترن باصلاحات بنيوية لا مرحلية، تقوم بإحداث تغيير جذري ونوعي للنهج المالي والنقدي الذي ساد طوال أكثر من عقدين من الزمن.
وفي المعلومات أيضا، كان تأكيد على ان كل محاولات فصل الانهيار عن الأسباب المالية وحصره بالسياسة النقدية أدت الى الدوران في حلقة مفرغة، وتاليا تعطيل انجاز الاتفاق بشكل نهائي مع الصندوق، نظرا الى الترابط العضوي والمثبت بين السياستين المالية والنقدية، والذي أدى الى الانهيار الكامل عام 2019.
وفي هذا السياق، تشير المصادر الى أنه كان هناك اقرار من الجانبين بضرورة إحداث خرق في جدار المراوحة القائمة التي تعود الى افتقاد خطتي دياب وميقاتي لإعادة الهيكلة الجدية للودائع من ضمن عملية إعادة هيكلة المصارف وتحقيق الانتظام المالي. من هنا ضرورة العمل على تحديد المسؤوليات ونِسبها بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف وفقا لأرقام صحيحة يتم استقاؤها من تدقيق دولي حيادي في موجودات الدولة والمصارف وإيراداتها في لبنان والخارج، ليصار على ضوئه الى تحديد الآليات العملية التي تمهد لتأمين الجزء الأول من المبالغ المطلوب استردادها من جهة، وتغذية صندوق استرداد الودائع على مدى فترة زمنية محددة من جهة ثانية.
وكشفت المصادر أن بعثة الصندوق أبلغت كنعان نيتها زيارة لبنان في أيار المقبل، إذا سمحت الظروف الأمنية بذلك، في سياق استمرار المفاوضات مع لبنان، ما يدحض الشائعات التي تبرز بين فترة وأخرى عن موت الاتفاق ووقف التفاوض مع لبنان. بيد ان مصادر أخرى أكدت أن “العمل مستمر مع الصندوق ولكن الزيارة التي كانت مقررة في كانون الثاني وتأخرت بسبب الأحداث في جنوب لبنان قد تُرجأ الى تموز المقبل نتيجة ضغط العمل لدى موظفي الصندوق”.
الى ذلك، كان ثمة تنويه من صندوق النقد وعدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية بإقرار مجلس النواب موازنة 2024 وقانون الصندوق السيادي للنفط والغاز من خلال الجهد الكبير الذي قامت به لجنة المال والموازنة، على المستويين التشريعي والرقابي، على أن يتم استكمال هذا المسار حكوميا بالعمل على انتاج موازنة رؤيوية ماليا واقتصاديا للعام 2025، والانتهاء من اعداد مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف في الحكومة، ومن ضمنه توزيع المسؤوليات والالتزامات في ما خص الودائع بين الدولة والمصارف، تمهيداً لاقراره في مجلس النواب.
وفي المقلب الآخر للزيارة، تمحور النقاش الذي حصل بين كنعان ومساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر حول ما سُمي “اقتصاد الكاش” وكيفية تحجيمه، وما تردد عن وضع لبنان على اللائحة الرمادية نظرا الى ما وُصف بالتفلت الكبير الخارج عن الضوابط والمعايير المعتمدة عالمياً بالمعاملات المالية، والذي يستخدم في معظم الأحيان في تمويل الارهاب وتبييض الأموال.
ونُقل عن كنعان قوله إن وضع لبنان على اللائحة الرمادية يفاقم المشكلة، اذ إنه يؤدي الى ضرب الاقتصاد الشرعي، بدل تعزيزه وتقويته لتحجيم الاقتصاد غير الشرعي، المصطلح على تسميته “اقتصاد الكاش”. واقترح في هذا المجال أن يتم دعم الاقتصاد الشرعي عبر تسهيل توزيع الإلتزامات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، والتي كانت محور نقاش في صندوق النقد، تمهيداً لإعادة هيكلة المصارف واستعادة الثقة بالنظم القانونية المصرفية والمالية، ما يؤدي الى تقليص تمدد الاقتصاد الأسود.
ويقول كنعان لـ”النهار” “إن المنطقة تمر بمرحلة مفصلية ولا يجوز أن يغيب لبنان بفعل غياب مؤسساته عن مراكز القرار، التي كما رأينا في واشنطن لا تهدأ ولا تنام، خصوصا في هذه الأيام. وبدل تبادل الاتهامات بين المكونات اللبنانية المعنية بالتفاوض مع صندوق النقد وانتاج الحلول، يجب توحيد الجهود وفق قاعدة أساسية تقوم على معالجة قضية الودائع من خلال تحديد الامكانات المتوافرة لذلك. وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون أرقام صحيحة ومدققة، والأهم إرادة جدية لتحقيق ذلك، لاسيما أن المجتمع الدولي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى مستعدا لاستيعابها”.
أما بالنسبة الى ما سُمي “التشريعات الاصلاحية”، فيقول كنعان: “يجب التمييز بين الاجراءات الاستثنائية المطلوبة والتي ليست باصلاحات بنيوية، والإصلاحات والتشريعات التي تحدث تغييرا جذريا بالواقع المالي والنقدي، والتي لم تقاربها نقاشات حكومتي ميقاتي ودياب وخططها وما أحيل منها الى اليوم على مجلس النواب، والتي شكّلت مضمون عمل لجنة المال والموازنة النيابية قبل الانهيار وبعده، وقد تهربت منها الحكومات المتعاقبة ولا تزال. وهذه الاصلاحات حضرت في صلب نقاشاتي مع المرجعيات المالية الدولية والإدارة الأميركية”.