الفقر في لبنان عميق جدًّا!
كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:
بين عامي 2012 و2023 تضاعف الفقر في لبنان ثلاث مرّات، بحسب تقرير صدر أمس للبنك الدولي بعنوان «اتساع رقعة الفقر وانعدام المساواة في لبنان». فقد ارتفعت معدلات الفقر من 12% إلى 44% من مجمل المقيمين، وأصيب بالفقر واحد من كل 3 مقيمين في لبنان وبات واحد من بين كل اثنين معرّضاً للسقوط تحت خطّ الفقر. وهذه النسب تشمل كل المقيمين، أي اللبنانيين وغير اللبنانيين لكن في التفاصيل يظهر أن 81% من السوريين المقيمين في لبنان ينطبق عليهم وصف «فقير» مقابل 33% من اللبنانيين المقيمين. واللافت أن الفقر في لبنان عميق جداً بأبعاد مختلفة. جاءت هذه النتائج في استطلاع نفّذه البنك الدولي بين كانون الأول 2022 وأيار 2023، بمشاركة برنامج الغذاء العالمي، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وشمل عيّنة مكوّنة من 4200 أسرة في 5 محافظات: عكار، لبنان الشمالي، بيروت، البقاع، وجبل لبنان. وقد بُنيت الدراسة على خطّ فقر جديد للبنان، ولا سيما بعد التغييرات الجذرية التي طرأت على نمط استهلاك الأسر مقارنة مع عام 2012. وحدود الفقر، كما قدّرها البنك الدولي، تبلغ 1.6 دولار يومياً للفرد، أي ما يساوي 53.4 مليون ليرة سنوياً.
تبيّن للبنك الدولي أن ثمة ما هو «مقلق جداً» في ما يتعلق بما يسمّى «الفجوة الفقرية»، إذ إن «الفقر ازداد عمقاً وشدّة إلى مستويات دنيا من خطّ الفقر بكثير». ويستخدم هذا المؤشّر لقياس كمية الموارد المطلوبة للفرد للقضاء على الفقر، أو تقليل عجز الفقراء من خط الفقر إلى الصفر، من خلال التحويلات النقدية الموجّهة. قياس عمق الفقر في عام 2012 أظهر أن المقيمين يحتاجون إلى تحويل بمتوسط 3% من حدود الفقر للتحرك فوقه، إنما في عام 2022 ارتفع متوسط التحويل المطلوب للخروج من الفقر أكثر من 3 مرات ليبلغ 9.4%.
بهذا المعنى، فإن تآكل الرفاهية كان أكثر حدّة بين أفقر الفقراء، إذ تغيّر نمط استهلاك الأسرة اللبنانية من الغذاء وانخفضت كمية اللحوم التي تستهلكها العائلة إلى ثلث ما كانت عليه قبل 10 سنوات، من 150 غراماً يومياً للفرد إلى أقل من 50 غراماً. كما شهدت كميات الفواكه والمكسرات والخضر ومشتقات الحليب انخفاضاً في استهلاكها. وفي المقابل ارتفع استهلاك الخبز والحبوب بنسبة 20% من نحو 300 غرام يومياً للفرد إلى 400 غرام. وسجّلت 32% من الأسر المشمولة في الدراسة معدلات دون المستوى المقبول من الاستهلاك الغذائي، وأشارت 83% من الأسر المشمولة في الدراسة إلى اعتمادها على مأكولات أرخص، أو قلّلت من عدد الوجبات، أو اقترضت المال لشراء الطعام، أو قام أحد الأفراد البالغين بالإحجام عن تناول الطعام من أجل إطعام أولاده. فيما عمد أكثر من 50% من الأسر إلى خفض الإنفاق على المواد غير الغذائية الأساسية كالبنزين والنفقات الصحية.
التوزّع الجغرافي للفقر كان لافتاً جداً، إذ تبيّن أن هناك تفاوتاً حاداً في معدلات الفقر بين 2% في بيروت و62% في عكار ولبنان الشمالي حيث النسبة الكبرى من العمال الزراعيين الذين عدّتهم الدراسة من الفئات الأكثر فقراً بين شرائح السكان. غير أن هذا التفاوت لم يظهر في دراسة أوضاع السوريين المقيمين في لبنان، بل تبيّن أن معدلات الفقر متماثلة في كلّ المحافظات بلا تفاوت.
وأظهرت الدراسة ارتباطاً بين عدد الأولاد وزيادة نسبة الفقر، إذ تبيّن أنّ معظم الأسر الفقيرة أكبر بفردين من الأسر غير الفقيرة، ومعدّل عدد أفراد الأسرة اللبنانية الفقيرة هو 5 مقابل 6 لدى الأسر السورية. كذلك، ارتبطت زيادة معدلات الفقر بانخفاض التحصيل العلمي لأفرادها، إذ إن 84% من أرباب الأسر الفقيرة لم يتخطّوا مرحلة التعليم الأساسي. وبالتالي، فإن معدلات البطالة لدى هذه الأسر أعلى بمرتين من معدّل البطالة العام البالغ 19%. ويستنتج البنك الدولي، أن الحصول على شهادات عالية ساعد على هجرة أفراد الأسر الميسورة، ما عاد على أسرهم بتحويلات مالية من الاغتراب، وهذه التدفقات بحسب البنك الدولي تؤدي دوراً محورياً متزايداً في الحدّ من الإفقار.
أما من ناحية شكل الأعمال التي يقوم بها أفراد الأسر الفقيرة، فأشارت الدراسة إلى أنّهم عالقون في وظائف غير رسمية تدفع أجوراً يوميةً أو أسبوعيةً. ويشكل هذا النوع من العمل نسبة 42%، أي الجزء الأكبر من الأعمال التي يقوم بها الفقراء، تليها الوظائف بأجر شهري بنسبة 40%، والعمل الحر الذي لا يتطلب مهارات عالية بنسبة 13%. وعلى النقيض من ذلك، فإن نسبة عليا من غير الفقراء تشغل مناصب مدفوعة الأجر بشكل شهري بنسبة 61%. ومن بين الفقراء، وبالمقارنة بين اللبنانيين والسوريين، 49% من العمال من الأسر اللبنانية يعملون بأجر شهري مقارنة بـ21% من السوريين، في حين أشارت الدراسة إلى أنّ 56% من السوريين لديهم ميل أكبر للعمل في أعمال غير منظمة وفي وظائف ذاتية منخفضة المهارات.
السوريون أشدّ فقراً
خلصت الدراسة إلى أن الأسر السورية المقيمة في لبنان هي الأشدّ فقراً بكل المقاييس والمؤشرات، إذ يعيش 9 من أصل كل 10 سوريين تقريباً، تحت خط الفقر في عام 2022، و45% من الأسر السورية الفقيرة لديها معدلات دون المستوى المقبول من الاستهلاك الغذائي، كما يعاني السوريون في سنّ العمل من تدني مستوى تحصيلهم العلمي، أمّا من يعمل منهم، فيتولّى وظائف غير رسمية منخفضة الأجر وأقلّ ثباتاً، ما يسهم في تعريض أسرهم لحالة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
الأثرياء تخطّوا الأزمة
تشير دراسة البنك الدولي إلى أن تأثيرات السنوات الخمس من الأزمة لم تصب الأثرياء الذين يمثّلون أقل من 20% من الأسر ويتقاضون أكثر من 50% من دخلهم بالدولار، ويحصّلون أموالهم من الأعمال الخاصة، ما يحصنهم ضد تداعيات التضخم الناجم من تدهور قيمة الليرة. لذا، سجّل لبنان أعلى مستويات التفاوت في الدخل، إذ تبيّن أنّ 1% من اللبنانيين حصلوا على 25% من الدخل الوطني. وفي المقابل، فإن 20% من الأسر الأكثر فقراً لا تحصل سوى على 6% من دخلها بالدولار، كما أن 86% من مجمل ما تحصّله ناتج من الأجور. ولم تزد نسبة المدخول بالدولار لدى أكثرية الأسر ذات الحال المتوسط عن 19% من المدخول.
التكيّف بالمدّخرات والتسوّل
أرغمت الأزمة الأسر على انتهاج مجموعة متنوعة من استراتيجيات التكيّف في محاولةٍ منها لتأمين مستوى معيشي مقبول. وشملت تلك الاستراتيجيات سحب أموال من المدّخرات الشخصية، وطلب المساعدة من الأقرباء، والاقتراض، وخفض النفقات، ولا سيّما المرتبطة بتأمين الغذاء، إذ أفاد 87% من الأسر المشمولة بالدراسة أنّها استعانت بمدّخراتها. بالإضافة إلى ذلك، التمست 58% من الأسر المساعدة من الأقارب والأصدقاء، فيما لجأت 65% إلى جهات وهيئات غير حكومية للحصول على المعونة.ش