الملف اللبناني آخر الانشغالات الأميركية

لبنان يوليو 17, 2024

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:

لا ينظر الأميركيون إلى الوضع اللبناني في الوقت الراهن على أنه أولوية على غيره من الملفات العالقة في المنطقة. وهذا تماماً ما كانت الدوائر الأميركية المعنية تحذّر منه من يراجعها من اللبنانيين لسؤالها عن سبل إيجاد أفق حل للأزمة اللبنانية. فالأميركيون كانوا أساساً يتحضّرون للدخول في مرحلة الانتخابات، وبدأوا ينشغلون في الأشهر الأخيرة من السباق الرئاسي كما هي العادة، حيث ينصرفون عن ملفات الخارج. وجاء التعثر في أداء الرئيس الحالي جو بايدن ليطرح أول الإشكالات التي لا يمكن أن تُحل قبل حسم الديمقراطيين موقفهم النهائي من ترشيحه. ثم أتت حادثة إطلاق النار على المرشح الجمهوري دونالد ترامب لتعيد برمجة الانتخابات ومصيرها من زاوية أكثر أهمية، وتعيد قراءة كل الملفات الحساسة من زاوية احتمالات وصوله وانعكاس ذلك على سياسات دول المنطقة التي بدت وكأنها تسلّم بارتفاع حظوظه رئيساً جديداً.المعنيون بمتابعة ملف لبنان في واشنطن يصرون على الحديث عن فرصة ضائعة لم يستفد منها لبنان، لا تتعلق فقط بحرب غزة وربط لبنان بها، إنما أيضاً بمراجعة الدول في المنطقة لحساباتها انطلاقاً من الأسئلة المطروحة حول فرص ترامب بعدما فرض حضوره في المشهد الانتخابي، ما يذكّر بمرحلة انتخابه قبل ثمانية أعوام، وعلاقاته مع أركان دول المنطقة. وهذا أمر تتعاطى معه دول الخليج والمنطقة بجدية، في حين أن لبنان نفسه يتصرف مع استحقاق الرئاسة الأميركية من دون الأخذ في الاعتبار حجم التحول الذي يمكن أن يرافق مجيء ترامب.

تبدأ الحسابات من إيران التي ينظر الأميركيون إلى فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان على أنه مؤشر جدي، بعد رسالة جس نبض حين استكمل قبوله أولاً كمرشح من جانب مجلس صيانة الدستور، ولا سيما بعد مرحلة تصعيد إيراني عسكري وسياسي انحسر تدريجاً. وهذا ما جعل المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن تعود بوتيرة مقبولة، وإن بخطوات أولية. وتستمر أيضاً في المشهد الإقليمي المتريّث حتى في مقاربة الحلول لحرب غزة، وفي العلاقات العربية – الخليجية مع إسرائيل. ولا تتوقف القراءة عند دول المنطقة، لتتعداها إلى فرنسا، حيث تقرأ واشنطن انحسار الدور الفرنسي بجدية مطلقة، ولا سيما في ما يتعلق بلبنان، إذ حاولت باريس في السنوات الأخيرة أن تلعب دوراً سبق لدمشق أن مارسته في التدخل في تفاصيل اليوميات اللبنانية. لكن فرنسا بعد الانتخابات الأوروبية وانتخاباتها البرلمانية أصبحت في مكان آخر. وعدم قدرتها على إنتاج حكومة على المدى القصير، فضلاً عن ارتدادات المشهد الانتخابي داخلياً، كل ذلك يعيق حركتها الخارجية بعد خسارتها في أفريقيا وحالياً في الشرق الأوسط. وهذا ما يكبّل الرئيس إيمانويل ماكرون في سنوات عهده الأخيرة، ويفرمل تالياً أي مبادرات على مستوى التدخل الفاعل لفرنسا في المنطقة.

من هنا لا يُنتظر أن يعود المشهد اللبناني في الصورة في ظل مقاربة مسألتين: وضع حزب الله والوضع السياسي العام. في الأولى، ثمة قراءة أميركية تتعلق بما تريده إسرائيل وما لا تقبل به ببقاء الوضع الجنوبي على ما هو عليه، ولو توقفت حرب غزة. وهذه نقطة، لا تتعلق فقط بما يريده حزب الله وربطه وقف النار في الجنوب بوقف النار في غزة، لأن حسابات إسرائيل مختلفة تماماً في التعامل مع الحزب على المدى البعيد. وكما أن إدارة بايدن وقفت إلى جانب إسرائيل في صراعها مع الحزب وإن حاولت إبقاء خطوط التواصل قائماً مع لبنان ومع حزب الله بطريقة غير مباشرة، فإن فريق ترامب الجديد يذهب بعيداً في قراءة وضع الحزب ولا سيما أن الإدارة المحتملة لا تنظر إلى تحرك عاموس هوكشتين بإيجابية، ولن يكون حكماً مسؤولاً عن ملف لبنان، فضلاً عن أن هناك تراجعاً أميركياً حتى في الكلام عن توسع الحرب إلى لبنان، والتدخل لوقفه. فهذا الجانب يشغل أكثر فأكثر الأوروبيين الذين يحاولون لجم التدهور العسكري، تزامناً مع التحضير للتمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب، وهو الأمر الذي يعنيهم في صورة مباشرة. وأي وقف لمسار الانحدار وتدحرج الوضع عن طريق خطأ محسوب أو غير محسوب، يمكن في نظرهم إدخال ملف الرئاسة فيه، علماً أن نظرة الأميركيين إلى موضوع الرئاسة مختلف، لأنهم أعطوا مجالاً للبنانيين لإيجاد مخرج له، ولأنه تقلّب مرات عدة من دون أن يصل إلى حل عملي، رغم كل التدخل الخارجي عبر الوفود واللجنة الخماسية، والمحاولات الداخلية، ما يضعه حكماً من الملفات قيد الانتظار، في وقت يراهن البعض، من دون الكثير من الصحة، على أن يكون على طاولة الرئيس الجديد وفريقه، عنواناً أولَ من عناوين الاتصالات التي بدأت تأخذ مداها في الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات الأميركية. وهذا ليس واقع الحال، بل ما يفترض التعامل معه بواقعية أن لبنان ليس اليوم أولوية في واشنطن. وعلى ذلك يمكن الكلام عن مرحلة انتظار طويلة. أما حال الحرب فلها كلام آخر، ربطاً بما تريده إسرائيل من لبنان وقبله من الإدارة الأميركية الجديدة.

:شارك الخبر