ماذا وراء رفع سقوف التهديد المتبادل بين “الحزب” وإسرائيل؟
كتب وفاء بيضون في “اللواء”:
يبدو أن أفق المعركة العسكرية التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد عدوان الاحتلال الإسرائيلي لم يظهر بعد، فأمام كل مبادرة يضع «بنيامين نتنياهو» العصيّ في عجلات الصفقة، ما يعكس حالا من الارتياب حول المسار الذي يريد رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي الذهاب إليه.
وفي وقت تطغى ضبابية شاملة على المشهد الميداني في الجنوب الفلسطيني، بدأت تتكشف ملامح حرب واسعة في الشمال بين «جيش العدو الإسرائيلي» و«حزب الله» في جنوب لبنان، بعد توسّع الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت قرى وبلدات بعيدة نسبيا عن خط المواجهة المعروف بقواعد الاشتباك؛ كما حصل في بلدات صفد البطيخ والجميجمة ومجدل سلم والذي اسفر عن سقوط عدد من المدنيين بين شهيد وجريح. بدت رسائل الطرفين أكثر وضوحا وان كانت تحمل وعيدا وتهديدا، ولا سيما ان قادة العدو الإسرائيلي منذ اندلاع المواجهة وبدء عمليات الإسناد من جبهة جنوب لبنان لا يتوقفون عن إطلاق التهديدات بحرب شاملة وتدميرية حسب توصيفهم. يقابله رسائل ردع تبعث بها المقاومة تارة بالوسائط النارية المختلفة واختيار الأهداف الموجعة للعدو الإسرائيلي، وطورا عبر الهدهد الذي كشف مساحة الانتشار والتموضع في أرجاء الكيان كافة، ما خلق نوعا من الذعر لدى القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل، نتيجة ما بثّته المقاومة الإسلامية في هدهد ١ وهدهد ٢. ولم تسدل المقاومة ستارة المشهد على هذا، بل تقول إن في جعبتها الكثير مما قد يصدم العدو الإسرائيلي في حال جنوحه نحو اعتداء واسع على الجنوب والأراضي اللبنانية.
وترى المصادر المطّلعة انه رغم ما يدور من محادثات حول واقع الحرب في غزة، إلّا ان تكتما يوحي بجديّة وإن بقيت مهدّدة بتفاصيل خلافية مرة، ومناورات غير مفهومة الأفق مرة أخرى، حيث تبقى الجبهة اللبنانية المفتوحة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي تحت مسمّى الإسناد لغزة، على وتيرة معتادة من العمليات العسكرية، من دون أي مؤشّرات على أنّها جزء فعلي من المفاوضات الجارية.
من هنا تقول الأوساط المطّلعة انه على وقع الحراك السياسي تستمر العمليات العسكرية على الجبهة اللبنانية، وإن تفاوتت وتيرتها بين الحين والآخر مترافقة مع تهديدات وصلت إلى ذروتها إسرائيليا الشهر الفائت، من دون أن تتوقف كليا، حيث رُصدت تصريحات لمسؤولين في الكيان الإسرائيلي مفادها أن وقف الحرب على غزة لا يعني بالضرورة انسحابه على جبهة الشمال أو انتهاء المعارك فيه مع «حزب الله»، وهي تصريحات بقي سقفها أقل بكثير مما رُصد سابقا، ووصل لحد الحديث عن تدمير بيروت وإحراقها. مصادر أخرى رأت ان سقوف التهديد من شأنها ضبط الجبهة. ومصادر أخرى ترى في مواصلة العدو الإسرائيلي قصفه لعدد من المناطق والقرى الجنوبية، مسارا قد يتغيّر تدريجيا من خلال تمسّك إسرائيل بسلاح الاغتيالات الذي يستهدف من خلاله مدنيين ومقاتلين على حد سواء، ولكن الحزب في المقابل بفعل نشاطه على خط الحرب النفسية مسجلا العديد من النقاط في هذا السياق، سواء من خلال بثّه الحلقة الثانية من سلسلة الهدهد، والتي كان محورها الجولان هذه المرة أو من خلال خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وما انطوى عليه من رسائل تؤكد ان المقاومة لا تخشى الحرب ان أراد العدو إشعالها وفتحها مع لبنان.
إذن بين مواقف التصعيد وما يرافقها من حرب نفسية يبدو وبحسب محللين استراتيجيين أن الأخيرة تتقدم على حساب المواجهة العسكرية المفتوحة، والتي يقول البعض إن احتمالاتها لا زالت تراوح مكانها على وقع ما يجري من اعتداء ورد يتناسب مع الاعتداء من قبل حزب الله ، تراوح على وقع التطورات الأخيرة، عسكريا وسياسيا، تربطها الأوساط المتابعة بالكثير من الأسباب والاعتبارات التي يفهمها الكيان الإسرائيلي مليّا، كما يحسب لها «حزب الله» حساباته الدقيقة مراعاة للواقع اللبناني الداخلي.
وبالتالي تبقى جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة أسيرة تطورات الميدان العسكري بين “المقاومة” والجيش الإسرائيلي إلّا إذا ذهبت الأمور الى خارج حسابات الطرفين وفرضت إيقاعا جديدا قد يتجاوز قواعد الضبط المعروفة وهذا يتعلق بنوايا العدو وحكومته لتحصيل جرعة مزعومة من الانتصار تغطية على فشلها بحرب الإبادة على غزة والتي شارفت على إنهاء شهرها العاشر دون تحقيق أي نتيجة سوى التدمير والمجازر.
ليبقى السؤال المطروح لبنانيا هلى ستتمكن عواصم القرار والتحكّم بضبط جنون نتنياهو أم اننا أمام مواقف تحمل وجهي التفسير: التهديد والحرب الفعلية الشاملة معا؟!