مكاتب تهريب العاملات الأجنبيات تنشط والعمل على الساعة!

لبنان أغسطس 7, 2023

جاء في “نداء الوطن”:

حقّ المواطن على دولته أن تحميه. لكن، ما يحصل في بلادِنا، أن الجميع باتوا يستقوون- بأشكال وأدوات عدّة – على ابن البلد وإذا تذمر يُقال: يا له من عنصري! الحقّ – يا عالم – يفترض أن يكون سيفاً قاطعاً لكن هنا الحقّ مطاط حيث اللبن يمكن أن يكون لونه أسود والكاكاو أصفر والبحر أحمر والحدود مشرّعة على أيّ شيء، على كل شيء، حتى على سرقة مال المواطنين الحلال مرّة من خلال «دولتنا» ومرّة من تخاذل «دولتنا». فماذا في حكايتنا الجديدة؟ ميرات، العاملة الإثيوبية، هربت من بيت مخدومتها بعد اربعة اشهر وعشرة أيام على بدء العقد بين الطرفين. حملت حقيبتها وغادرت والبلاغ في حقها سُجل في الأمن العام: ترك عمل لا فرار. هذا حقّها؟ ماذا عن حقّ من دفعت من اللحم الحيّ كلفة إستقدامها لحاجةٍ ماسّة إليها وليس لـ»الفخفخة»؟

هناك من سيقفز الآن من مكانه ويقول: عنصريون. من يجرؤ أن يطالب بحقّ اللبناني في ملف العاملات المنزليات هو – بنظر كثيرين – عنصري. فلنتفّق على شيء. هناك عنصريون وهناك غير عنصريين لكن يجب – تحت هذا العنوان – ألّا يغيّب ملف مفتوح في لبنان ورشق أولاد البلد بالحجارة بحجة أنهم الأكثر قوّة. لا، لم يعد الأمر كذلك أبداً.

فلنبدأ من قصّة حقيقية. من مثل حيّ. إحداهنّ تحتاج الى عاملة منزلية ليس «للزنطرة» و»الفخفخة» بل لحاجةٍ ماسّة. تينا، العاملة الإثيوبية التي كانت تدير البيت بحبّ – كما بيتها – إضطرّت بعد ثمانية أعوام ونيف من مكوثها في لبنان للعودة على عجل الى بلادها. والدتها توفيت وابنها بحاجة أيضا إليها. ودّعها أهل البيت بدموعٍ وجلبوا إثيوبية متوافرة، البيت الذي طلب إثنتين تبيّن له أنه لن يكون قادراً على سداد إلا أجرة واحدة، فأعادها الى المكتب. هذا ما قالته صاحبة المكتب لمن سألتها عنها وصدقتها. صحّ؟ خطأ؟ لا نضع في ذمتنا.

فرار ثم إبلاغ

القضية لم تبدأ بعد. إسم العاملة الإثيوبية الجديدة: Takebow Miret Ashenap وقالت إنها متزوجة ولديها طفل عمره عامان. صدقتها ربة البيت. ظنتها مثل تينا. لم تكن تعرف شيئاً. علمتها. أربعة أشهر وعشرة أيام أنجزت لها في خلالها أوراقها القانونية: الفحوصات المخبرية وإجازة العمل والإقامة. وكانت تدفع لها راتبها مقدماً إعتقاداً منها ان عائلتها تكون بحاجة الى المال في الفترة الأولى. هاتفها كان باستمرار في يدها، تستخدم فيه واتساب رقم زوجها الإثيوبي. هذا حقٌ لها. كررت ربة البيت ذلك مرات أمام كل من قال لها: لا تدعيها تتكلم كما يحلو لها.

ماذا بعد؟

قبل أسبوعين من مغادرتها زارتها إبنة خالتها (هذا ما عرّفت به عنها). كانت إثيوبية «مستشقرة» تشبه اللواتي يقفن على مستديرة الدورة في الليالي. سألتها ربة البيت اين تشتغل فأجابتها: في الأشرفيه لدى شخصين مسنين. سألتها أين في الأشرفيه. قالت: لا أعرف كيف أدلك. لعب الفار في صدرها لكنها نظرت الى مساعدتها المنزلية فرأتها تبدو – الى حدّ ما – بريئة فتخلّت عن الأفكار السود. وذات يوم إرتدت ثيابها وقالت لها: المكنسة إنكسرت عصاها وفي أسفل المنزل محل: سأشتري واحدة وأعود. صدقتها. خرجت ولم تعد. إتصلت بالمكتب فقالت لها صاحبته: ثمة شبكة تهرّب الإثيوبيات في لبنان. وأنبتها كيف سمحت لها باستخدام الهاتف. والحدود أقفلت منذ ثلاثة أسابيع وما عادت تصل خادمات جديدات لذلك تزايد الطلب عليهن. إنتهى دور مكتب الإستخدام عند هذا الحدّ. ذهبت الى الأمن العام. هناك وجدت عشرات الإثيوبيات سألتهنّ: لماذا تهرب إثيوبية برأيكنّ؟ أجابتها واحدة: لتعمل مدام على الساعة. الأمر واضح.

في مكتب الأمن العام عناصر إناث يعملن. وقفت أمام إحداهنّ ترتدي لباسها الرسمي. أظافرها طويلة مطلية باللون الأزرق. سجلت الشكوى: ترك عمل. لم تسألها أي سؤال. لم تسألها إذا كانت قد سددت راتبها أو إذا كانت العاملة سرقت شيئاً أو… أو… وحين قالت لها: إصعدي الى الطبقة الثالثة، الى مكتب التحقيقات، سألتها عن مآل الشكوى. هل ستنتهي في الدرج؟ نظرت إليها شذراً ولم تجب. كررت عليها السؤال فأجابتها: هيدا سؤال لا يُسأل مدام.

صعدت الى مكتب التحقيقات. إنتظرت نحو ساعتين. وفي النهاية إستدعاها عنصر مهذب وقال لها: أرسلنا إسمها الى المطار والحدود البرية. إذهبي الآن وارجعي بعد شهرين. قالت له باحترام: سيدي لا ترسلوا إسمها الى المعابر الحدودية بل توجهوا الى مستديرة الدورة وقد تجدونها هناك. إبتسم لها. عادت الى البيت. حاولت أن تدقّ على الواتساب الخاص بها فلم تجب. هو مقفل. إتصلت بالرقم وهو إثيوبي فأجاب رجل. هو زوجها على الأرجح. سألته بالإنكليزية: اين ميرات؟ فأجاب: لا اعرف… ثم وضع لها «بلوك». بحثت بين أمتعة الخادمة عن دليل، عن إشارة، عن ذيل تبدأ البحث منه. فوجدت ورقة مكتوب عليها ارقام عدة. سجلتها على هاتفها: ميرات 1، ميرات2، 3، 4، 5… وبعد ثلاثة ايام رأت صورة لها على خدمة Imo على الرقم المسجل: ميرات 3. فتحت العاملة رقماً جديداً لها. وضعت الرقم على true caller فظهر إسم: NIGATU MITIKU. بحثت عن صاحب الإسم على الفيسبوك فظهرت صورة زوجها على البروفايل أما على صورة الغلاف فظهرت صورة جديدة للعاملة الأجنبية «مستشقرة». نعم بدت قد لونت شعرها وتسكن في غرفة سفلية، تحت درج، فيها شباك علوي. عاملتها الأجنبية بدأت عملها في لبنان. فهل تكلمها على «إيمو»؟ هل تنتظر؟ هل تبلغ الأمن العام؟ هل تبلغ المكتب؟ الجميع سجلوا المغادرة وانتهى عملهم أما هي فبدأ عملها. لا جواز سفر معها. لا اوراق ثبوتية وقانونية. فلماذا لا يوقف الأمن العام العاملات الأجنبيات اللواتي «يكزدرن» على الطرقات وفي الليالي الملاح؟ لماذا حين تفرّ عاملة تصبح بالنسبة إليهم مثل «فصّ ملح وذاب» علماً انها تغادر لتعمل على الساعة؟

:شارك الخبر