كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
بعد طول انتظار أطلّ موسم الثلج في لبنان ليثلج قلوب محبي التزلج ويعيد ضخّ الدفء في شرايين العجلة الإقتصادية الجبلية الجامدة. موسم بات قصيراً بسبب التغيير المناخي الذي يؤثر على لبنان كما على بلدان العالم لكنه يضجّ بالحياة ويعيد في كل سنة إحياء ملامح العزّ الذي كان للبنان. موسم يعوّل عليه الكثيرون لكن تبقى مراكز التزلّج الجاذب الأكبر للروّاد من لبنان والدول المجاورة. حماسة وشغف يقابلهما كلفة مرتفعة وغلاء أسعار. فمن ينتصر في المواجهة البيضاء؟
يحكى عن ارتفاع في أسعار مراكز التزلج وعن كلفة لم يعد المواطن اللبناني العادي قادراً على تكبّدها لكن في الحقيقة لم يكن التزلّج يوماً رياضة قليلة الكلفة وفي متناول الجميع وما يتمّ تداوله اليوم من أرقام لا يخلو من المبالغة لا سيّما أن مراكز التزلج كما البلدات التي تقع المحطات ضمن نطاقها تهدف الى أمر أساسي واحد وهو تأمين الاستمرارية وليس الربح الصارخ ومن هنا كان سعي كل المهتمين بموسم الثلج والتزلج إلى إيجاد مروحة واسعة من الخيارات لسياحة شتوية ممتعة مقبولة الكلفة يستفيد منها أكبر عدد من اللبنانيين.
الأرز، كفرذبيان، الزعرور، اللقلوق، باكيش مراكز تزلج تختلف في ارتفاعها ونوعية منحدراتها وسماكة ثلوجها كما بالخدمات والنشاطات التي تقدّمها. كلّها مراكز خاصة مملوكة من شركات أو أفراد وفي المبدأ تخضع مراكز التزلج لوزارة السياحة من جهة الاستثمار والأسعار والتصنيف ومراقبة الخدمات، ولرقابة وزارة الأشغال العامة من الناحية الفنية وناحية السلامة العامة الدائمة. أما في حالات الطوارئ كالانهيارات الثلجية أو فقدان متزلجين أو متنزهين يجري الاتصال فوراً من قبل مسؤولي هذه المحطة، بقوى الأمن الداخلي التي تؤمّن الاتصال والتنسيق مع الإدارات والمؤسسات والجهات التي يمكنها أن تساهم في المعالجة. إذاً مراكز التزلج تحت مظلة الوزارات والإدارات المختصة لكن هل تنظر هذه الأخيرة في ما تتكبّده إدارات المراكز من كلفة تشغيلية باهظة لفتح أبوابها والحفاظ على مستوى تقديماتها ومستوى الأمان فيها؟ وهل تؤمّن لها أيّ نوع من الدعم كونها لولب الحركة السياحية الشتوية في المناطق الجبلية؟
كلفة تشغيلية باهظة
كل المسؤولين عن مراكز التزلج يجمعون على أمرين وهما غياب الدعم الرسمي وتقلّص موسم الثلج الذي بات قصيراً ولا يغطّي النفقات الباهظة. في هذا الإطار يقول إيلي فرحات المدير التنفيذي لنادي الزعرور إن كلفة الأشغال تزداد سنوياً. والمحطة مجبرة على القيام بأعمال الصيانة للمصاعد والمدرجات والطرقات ومواقف السيارات التي تتضرّر كل عام نتيجة الثلوج، وعلى تأمين المازوت للمولدات التي تشغل المصاعد والمحطة ككل في غياب التيار الكهربائي. كما يتوجّب عليها دفع رواتب موظفيها على مدار العام وبهذا تصبح الكلفة أكبر من المدخول. «لقد رفعنا أسعارنا بمعدل 15 في المئة لتأمين استمرارية عملنا ولا يمكن أن نرفع أكثر حتى نبقى في مستوى الجميع».
يفنّد فرحات الأسعار محدّداً أن كلفة نهار التزلج تقارب 60 دولاراً تقريباً تتوزّع بين سعر بطاقة نهار التزلج وهو 30 دولاراً للكبار و25 للصغار واستئجار السكي 10 دولارات فيما يجب احتساب ما بين 15 و20 دولاراً للطعام وتنخفض هذه الأسعار في بحر الأسبوع. الأسعار التقريبية ذاتها يوافق عليها إيلي فخري من مركز تزلج الأرز ويؤكد الإثنان أن الروّاد اليوم باتوا معتادين على الدفع بالدولار ولم يعودوا يجادلون في الأسعار كما كانوا في السنوات الماضية. 60 دولاراً الكلفة التقريبية لشخص واحد ولكن ماذا عن العائلات التي تودّ تمضية يوم على الثلج؟ كم يصل مصروفها ما بين بنزين أو إقامة في فندق أو اختيار نشاطات للأولاد؟ «يلي بدو يسكر ما بِعدّ كاسات». هو موسم يمضي سريعاً يقول أحد المعنيين ويمكن للعائلة القيام بنشاطات متعدّدة في مختلف مراكز التزلج لا تكلّفها الكثير من تزحلق على الثلج أو السير بواسطة الأحذية الشبكية أو استئجار سكيدو أو حتى ركوب التليسياج لمشوار رائع بكلفة لا تتعدّى 20 دولاراً. أما بالنسبة إلى الطعام فيمكن تناول منقوشة من أحد الأفران الكثيرة المنتشرة في كل المناطق الجبلية. أما التزلج بحد ذاته فلم يكن يوماً للفقراء بل هو رياضة مكلفة سواء في لبنان أم العالم إن من حيث الثياب والمعدات وبطاقات دخول المراكز أم من حيث الإقامة في الفنادق والمنتجعات.
في لبنان خيارات الإقامة متنوّعة بين الفنادق والشاليهات وبيوت الضيافة ومنازل الـAir bnb وذلك لقرب القرى من مراكز التزلج ففي كفرذبيان وفاريا كما في الزعرور وبولونيا وبشري وحدث الجبة بيوت يمكن للرواد استئجارها لمدة محددة فيما تنتشر الفنادق الصغيرة بأسعار مقبولة جداً تبدأ بـ50 دولاراً لليلة الواحدة. أما من أراد فنادق فخمة ترضي غروره فالأسعار قد تصل الى 400 دولار في الليلة لأفخرها.
مشاكل بالجملة
عديدة هي المشاكل التي تواجهها محطات التزلج على اختلافها وإن كان القاسم المشترك بينها قصر الموسم الذي لا يتعدّى فعلياً 30 يوماً وإن امتد على شهرين ونصف وارتفاع الكلفة التشغيلية وغياب السياح الأجانب والعرب غياباً شبه كلي. الفرنسيون والقبارصة الذين كانوا يشكلون العدد الأكبر من السياح وفق ما يقوله الجميع غائبون هذا العام أما بالنسبة للعرب الذين كانوا يخصّصون مساحة كبيرة من عطلتهم الشتوية في مراكز التزلج في لبنان فممتنعون عن القدوم منذ سنوات. واليوم ومع الحرب القائمة في جنوب لبنان صار غيابهم تاماً. ويقول إيلي فخري إن الأجانب الوحيدين الذين يتواجدون على المدارج هم في غالبيتهم من موظفي السفارات والأجانب المقيمين في لبنان. أما الحضور الخارجي فمعدوم حتى أن المدربين العالميين الذين يتم عادة التعاقد معهم لتدريب المتزلجين المحترفين منعتهم حكوماتهم من المجيء الى لبنان.
وإلى هذه المشاكل يضاف انخفاض القدرة الشرائية للمواطن المحبّ للتزلج إذ من كان معتاداً على التوجه الى مراكز التزلج في كل عطلة نهاية أسبوع بات اليوم يكتفي بمشوارين أو ثلاثة خاصة إذا كان يقصد المحطة من بيروت والمناطق الساحلية في حين أن هؤلاء هم الذين تعوّل عليهم مراكز التزلج أكثر من أبناء المناطق القريبة كونهم يحرّكون كل القطاعات التجارية الصغيرة.
مركز الأرز الذي يضمّ عدة بيستات خسر أفضل منحدر فيه منذ العام الماضي مع العمل التخريبي الذي تسبّب في قطع كابلات التيليسياج وحتى اليوم لم يتم تصليحها كما لم يؤد التحقيق «بعد» الى معرفة الفاعلين… ويقول فخري إن هذا الضرر قد تسبب بخسارة تفوق 30% للمحطة التي كانت تعوّل على افتتاح هذا المنحدر منذ شهر كانون الأول كونه الأعلى في لبنان ويبدأ عند 2600 متر ليصل الى علو 2900 متر فتتراكم عليه الثلوج قبل سواه لتسمح بموسم تزلج مبكر.
والمنطقة تعاني أيضاً من مصاريف إضافية فالبلدية كما يقول رئيسها فريدي كيروز كما أصحاب المؤسسات التجارية وبعض النواب يساهمون في دفع تكاليف فتح الطرقات. ففي حين أن الجرّافات وسائقيها تابعون رسمياً لوزارة الأشغال إلا أن رواتب السائقين لا تحفّزهم على العمل الدائم والمازوت الذي تخصصه الوزارة لا يكفي لفتح الطرقات بشكل مستمرّ فتعمد الفاعليات المذكورة الى تأمين هذا النقص من حسابها الخاص. من جهة أخرى تشكّل التدفئة الخنجر الذي يزرع في خاصرة كل الفنادق وبيوت الضيافة التي يتوجب عليها وبفعل قساوة الطقس تشغيل التدفئة لمدة يومين قبل وصول الزوار ما يشكل أعباء كبيرة عليها.
أرخص من أوروبا
كفرذبيان التي تفخر بتواجد أكبر محطتي تزلج ضمن نطاقها وهما فقرا والمزار تعيش اليوم عزّ موسمها السياحي الشتوي. المختار وسيم مهنا يؤكد أن كل شيء جاهز في المنطقة لاستقبال الروّاد وما ينقص هو حضور السائح العربي والأجنبي. بعد أزمة كورونا والانهيار المالي وتأخر الثلج كان لا بدّ من إعادة التفكير بما يمكن أن يعيد إحياء السياحة الشتوية في المنطقة. «كل المنطقة مستنفرة يقول المختار النشط جداً لتقديم أفضل خدمة للزوار من أصغر محل الى أكبر فندق ومنتجع. الثلج هو بترول لبنان الأبيض لذلك نحن مصرّون على إنجاح الموسم. لا بل إذا أردنا مقارنة الأسعار بين الحاضر والماضي نجد أنها اليوم باتت أرخص. قد يشعر المواطن اللبناني أنها ربما غالية عليه ولكن بالنسبة للعربي والأجنبي فإن التزلج في لبنان أوفر بـ66 في المئة مما هو عليه في أوروبا مثلاً. حتى أننا مستعدون لتأمين تاكسي من أبناء المنطقة يؤمن وصول السائح من المطار الى كفرذبيان بأسعار مدروسة جداً وذلك للمساهمة في خفض كلفة إقامة السيّاح».
المختار المنحاز بشدة الى منطقته يعدّد الكثير من المزايا التي يمكن أن تجتذب أي زائر مهما تكن ميزانيته. المطاعم تنتشر في المنطقة لكل الميزانيات حتى أنها تقدم الترفيه والحفلات والسهرات التي تجذب السياح وتحوّل إقامتهم الى تجربة ممتعة. أما بالنسبة للفنادق فيخطئ من يظنّ أن أسعار المنطقة تفوق المناطق الأخرى. قد يصحّ ذلك بالنسبة الى عدد محدود من الفنادق «السنوب» في عيون السيمان أو فقرا لكن يمكن إيجاد عدد لا بأس به من الفنادق لا تتعدى الليلة الواحدة فيها 100 دولار. «ومن لا تعجبه الأسعار في منطقتنا يقول أحد الكسروانيين المتعصبين فليتوجه الى الأرز هناك الخدمات أرخص والطريق أطول وأصعب. نحن نختصر المسافة ونبيع برستيج…».
باختصار ورغم الصعوبات والاشتباكات وارتفاع الأسعار الموسم واعد جداً والحجوزات في بعض المناطق مكتملة لشهر شباط بأكمله على أمل أن يساعد الطقس في إطالة عمر الموسم ليكون رافعة حقيقية لاقتصاد المناطق الجبلية.