ما علاقة البشر بتغيُّر ألوان المحيطات؟
يبدو أنّ عالم البحار يسير باتجاه المجهول، إذ وجدت دراسة حديثة تغير لون المحيطات في العالم بشكل كبير خلال الـ20 عاماً الماضية، وأنّ هذا التحول الكبير نتيجة تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.
وفقاً للدراسة التي أجراها علماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمركز الوطني لعلوم المحيطات في المملكة المتحدة، ومؤسسات أخرى، تم نشرها في تموز 2023، في مجلة Nature، فإنّ هذه التغييرات بدأ رصدها قبل عقدين من الزمن، وأنّه رغم أنّ هذه التغييرات اللونية خفية بالنسبة للعين البشرية، فإنها حدثت في أكثر من 56% من محيطات العالم، وهي مساحة أكبر من إجمالي مساحة اليابسة على الأرض.
ويشير التحول في لون المحيط إلى أن النظم البيئية داخل سطح المحيط قد تغيرت أيضاً، لأن لون المحيط هو انعكاس حرفي للكائنات والمواد الموجودة في مياهه.
وعلى وجه الخصوص، وجد الباحثون أن مناطق المحيط الاستوائية بالقرب من خط الاستواء أصبحت أكثر خضرة بمرور الوقت.
في هذه المرحلة لا يستطيع الباحثون تحديد كيف تتغير النظم البيئية البحرية بالضبط لتعكس اللون المتغير، لكنهم متأكدون تماماً من شيء واحد، وهو أنه “من المرجح” أن يكون تغير المناخ من صنع الإنسان هو السبب.
وتقول ستيفاني دوتكيويتز، المؤلفة المشاركة في الدراسة، عالمة الأبحاث الأولى في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب: “رؤية تغير لون المحيطات على أرض الواقع ليس مفاجئاً، ولكنه مخيف، ويتوافق مع التغيرات التي يسببها الإنسان في مناخنا”.
إذ إنّ هذا التغير في اللون سيغير معه قدرة المحيط على امتصاص “الكربون”، وهو سبب مهم يجعل الناس يأخذون الأمر على محمل الجد.
وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية، فإن لون المحيط هو نتاج كل ما هو موجود في الطبقات العليا من الماء، عادة ما يظهر باللون الأزرق لأن المحيط يعمل كمرشح لأشعة الشمس، ويمتص الماء الألوان في الجزء الأحمر من طيف الضوء.
أما اللون الأخضر فإنه يحدث عندما يرتد الضوء عن المواد والحياة في الماء، وبالتالي فإن المياه الأكثر اخضراراً تكون مدفوعة إلى حد كبير بوجود العوالق النباتية.
والعوالق النباتية هي ميكروبات شبيهة بالنبات، توجد بكثرة في أعالي المحيط، وتحتوي على الصباغ الأخضر الكلوروفيل، وتساعد الصبغة العوالق على حصاد ضوء الشمس الذي تستخدمه لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى سكريات، وفقاً لما أكده معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
كما أنّ العوالق النباتية هي أساس شبكة الغذاء البحرية، التي تحافظ تدريجياً على كائنات أكثر تعقيداً، حتى الكريل والأسماك والطيور البحرية والثدييات البحرية.
بالإضافة إلى ذلك فإنّ العوالق النباتية هي أيضاً عضلة قوية في قدرة المحيط على التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، لذلك يحرص العلماء على مراقبة العوالق النباتية عبر المحيطات السطحية، ومعرفة كيف يمكن لهذه المجتمعات الأساسية أن تستجيب لتغير المناخ.
للقيام بذلك، تتبّع العلماء التغيرات في الكلوروفيل، بناءً على نسبة الضوء الأزرق مقابل الضوء الأخضر، الذي ينعكس من سطح المحيط، والذي يمكن مراقبته من الفضاء.
التغيّر في اللون دقيق للغاية، بحيث لا يمكن للعين البشرية أن تلاحظه، ولذلك استخدم الباحثون بيانات من مقياس طيف التصوير المعتدل الدقة على متن القمر الصناعي “أكوا”، التابع لناسا، والذي كان يراقب لون المحيط منذ 21 عاماً.
وفي حين أن المحيطات قد تتخذ أيضاً العديد من الألوان، من بينها الأحمر، لكن معظم المحيطات مظلمة تماماً، إذ لا يوجد أي ضوء بإمكانه أن يخترق أعمق من 3280 قدماً (999 متراً).