في لعبة الرئاسة: ثعابين فقط ولا سلالم
كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
لأنّ للترفيه قواعد خاصة في لبنان، لا تشبه غيرها في العالم، لم يكن بريئاً حظر لعبة «الثعبان والسلم». فالهدف لا يتعلق بألوان قوس قزح ومراميها الخبيثة، التي تفسد أجيال الكبتاغون والسلاح غير الشرعي والنشوة بانتصارات تراكم الهزائم الذاتية التي تشظي الروح، وانما يتعلق بتحوير مبدأ اللعبة لتقتصر على الثعابين فقط. والتجارب الأولى لتطبيق النسخة الجديدة تعكسها أزمة الاستحقاق الرئاسي.
من هنا، نرى أنّ كل المبادرات والمفاوضات، ومعها حركة الموفدين، كلها تشبه اقتصار دور اللاعبين على رمي النرد والسعي إلى التقدم على الرقعة بموجب الأرقام حلماً بالوصول إلى النهاية. لكن الرقعة مزروعة بالثعابين، التي تتكاثر وفق أجندة الحواة. ولا مهرب من الدوس على رأسها، ليس لقتلها على ما هو مبدأ التعامل معها، وانما للتقهقر نزولاً إلى ذيلها.
وهكذا بعد كل زيارة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، وبعد كل اجتماع خماسي نعود إلى الذيل، لتبرز المواقف المحلية وتعبث بسير اللعبة، سواء عبر مطالبات بلامركزية إدارية ومالية أو عبر صناديق ائتمانية وسيادية، هدفها يقتصر على تحصيل المكتسبات من صفقة يمكن أن تعطي أحد طرفيها مطالبه غير المنظورة مقابل إفراجه عن أصوات كتلته لتصب لمصلحة مرشح الطرف الثاني. وسنبقى ننزلق ونعود إلى الذيل حتى يتحدد الثمن الذي سيستحوذ عليه صاحب الحظ السعيد. وذلك بعد نجاحه في عقد الصفقة مع القادر على فرض شروطه وتسخير الساحة اللبنانية لإرادته، لا سيما لكونه يتمتع بامتدادات إقليمية تُخوِّله البيع والشراء في سوق الاستحقاق الرئاسي حتى يقبل بتحريره من الثعابين.
لعبة مكشوفة، لكنها متواصلة، لأنّ من استحوا ماتوا، ومن لا يستحون يزدادون وقاحة ويستفحلون في زرع الثعابين على الرقعة. ويخططون لخطواتهم المقبلة بناء على فداحة التقهقر المستمر، يربطونه بتهديدات مبطنة تتعلق برفع منسوب الانقسام والتشظي بين مكونات الطوائف التي تزداد انعزالاً، ليتمكنوا من السيطرة عليها أكثر فأكثر.
يستخدمون ملف النزوح السوري بأبشع ما يمكن لعقل جهنمي أن يتصوره، يسهلون تسلل أكبر نسبة منهم، ليُشكِّل هذا النزوح خطراً وجودياً على لبنان. يرصدون طقوس فروض الطاعة يؤديها المرشحون المحتملون الملتزمون بشيطنة النازحين وفبركة أكبر حملة ترويع عليهم ومنهم، وإطلاق حملة مقدسة لمطاردتهم. وذلك بمعزل عن أي بحث جدي لمعالجة هذا الملف بالوسائل المنطقية والعملية المنبثقة من القوانين اللبنانية. يكفي إجبار الحكومة اللبنانية على فتح خط مباشر مع النظام الأسدي والتطبيع معه… مع أنّ النتائج لن تتغير، لأن هذا النظام، ومِنْ خلفه رأس المحور، يعرف ماذا يفعل بهدف تغيير ديموغرافي يوافق القياس والمشاريع.
أمّا لبنان، فلا غضاضة من تحوُّله إلى مستنقع تتصارع فيه ثعابينهم لافتراس الطرائد الغارقة في همومها، بمعزل عن هويتها وانتمائها. لبنانية كانت أم سورية أم فلسطينية. يهددون بنسف الصيغة من أساسها. فهم لا يرمون إلى إخراج البلد من أزمته الوجوديّة الحادة، ويريدون لكل المساعي الدولية المبذولة أن تبقى عقيمة، ويستعصي عليها توفير مخارج تبني وطناً. يجب أن يبقى الصراع عميقاً ومحتدماً على هويّة لبنان وموقعه الإقليمي والدولي.
يزعجهم أنهم يصطدمون بفريق لطالما تمكنوا من ترويضه أو إسكاته على الأقل، فريق لم يعد يرضى بالموقت، ويسعى إلى الحلول الجذرية والدائمة، ما يُحدث انقساماً لدى الخماسية. فهم يريدون حلولاً ظرفية ترقيعية تتخذ صفة الإنقاذ الآني… فقط لا غير.
من هنا يجب مواصلة اللعبة وتكثيف حضور ثعابين تصطاد برؤوسها اللاعبين لينزلقوا ويتقهقروا إلى الذيل حتى يتعبوا ويستسلموا، فيكون للحواة ما يريدون.