بعد فضيحة كتاب التربية… من يروّج للدمج؟

لبنان سبتمبر 25, 2023

كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”:

فيما الدولة المفلسة عاجزة عن الرقابة وترتيب أولوياتها، تواصل الجمعيات الدولية استباحة المدارس الرسمية وسحب «داتا» المعلمين والطلاب وبثّ مفاهيم مشبوهة على عين وزارة التربية. وكأنّ التربية قضية محايدة، «تقتحم» جمعية أميركية التعليم تحت عناوين معلنة هي التعددية والإدماج والسلام وقبول الآخر وأهداف غير مرئية مناقضة لخصوصية المجتمع الثقافية.

أعطى وزير التربية، عباس الحلبي، الضوء الأخضر لجمعية أميركية هي hardwiredGlobal بـ»اقتحام» الصفوف الدراسية، لفرض برنامج لقاءات توجيهية يشارك فيه 150 أستاذاً في مادتَي التربية وعلم الاجتماع، بهدف التدرّب على تعزيز «التعددية» و»الإدماج». ومن الأهداف المعلنة للبرنامج الذي يُنظم بالتنسيق مع مديرية الإرشاد والتوجيه أنه يزوّد المرشدين والمعلمين بالقيم الرئيسية لحقوق الإنسان، واستخدام منهجيات وأدوات مبتكرة لتعليم الطلاب على التعددية، واكتساب المهارات والاستراتيجيات العملية لمواجهة تحديات التعددية في القاعات الدراسية والمجتمع، وابتكار طرق التدريس التي تعزز التفكير الناقد ومهارات التواصل الإيجابي، ونشر استخدام طرق قياس المكتسبات المفاهيمية لدى التلميذ. وتُنظم اللقاءات التوجيهية للأساتذة أيام 28 أيلول و5 و12 تشرين الأول المقبل، على أن يحضر فريق الجمعية، لمدة 4 ساعات خلال الدوام المدرسي، وبمواكبة مرشدي التربية. وكانت الجمعية تعهّدت بتأمين بدل النقل والوجبات الغذائية والأدوات المطلوبة لتطبيق البرنامج. ومن المتعارف عليه أن مثل هذه الجمعيات تدفع أيضاً بدلات مالية لحضور الأساتذة.

للوهلة الأولى، أثار قرار الوزير الرقم 705/م/2023 بتاريخ /9/13/2023 حفيظة الحملة الوطنية لمواجهة التوطين، على خلفية أن مثل هذا البرنامج قد يشرّع دمج التلامذة السوريين باللبنانيين، ما استدعى رداً سريعاً من المكتب الإعلامي للوزارة أوضح فيه أن «هذا الخبر غير دقيق لأن المشروع لا علاقة له بإدماج السوريين باللبنانيين، إنما بإدماج التلامذة اللبنانيين بغضّ النظر عن اختلافاتهم إن لجهة الاحتياجات التربوية أو تنوع العادات والتقاليد، وهو يأتي من مبدأ احترام التنوع الطائفي والديني والعرقي في بلد يرتكز على الحوار والتلاقي ونشر ثقافة احترام الرأي الآخر بين المتعلمين».

الوزارة اكتفت بهذا الرد المقتضب، ورفضت بعد ذلك التعليق على كل ما أثير بشأن الأهداف المشبوهة للجمعية وللمشروع، وعبثاً، حاولت «الأخبار» الحصول من الحلبي على إذن للسماح لمديرة الإرشاد والتوجيه، هيلدا الخوري، بتقديم أجوبة عن التساؤلات والاستفسارات، والجواب الوحيد الذي حصلنا عليه «الوزير لا يريد أن يكلّف أحداً لأنه أصدر توضيحاً بهذا الشأن».

«الأخبار» تواصلت أيضاً مع رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، هيام إسحق، للاطّلاع على موقف المركز، باعتباره الجهة الأساسية المعنية بتدريب الأساتذة، من دون أن تلقى جواباً على أسئلتها.

في الواقع، دمج التلامذة السوريين مع التلامذة اللبنانيين في المدارس الرسمية ليس أولوية لدى الجهات الدولية المانحة طالما هي تسعى عبر مشروع «دراسة» إلى تسجيل التلامذة السوريين في المدارس الخاصة وتسعى لأن يصل عددهم إلى 40% من مجموع التلامذة، مقابل إعطاء المدرسة 600 دولار عن التلميذ الواحد، و20 ألف دولار للمساهمة في مصاريفها التشغيلية، وهو عرض رفضته مدارس اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، العام الماضي، ما جعل النسبة لا تتجاوز 14%، علماً أن هناك فرقاً بين أرقام الوزارة والمركز التربوي بما يخص أعداد التلامذة السوريين المسجّلين في المدارس الخاصة في العام الدراسي الأخير، فالوزارة تشير إلى نحو 97 ألفاً، فيما المركز يتحدث عن 75 ألفاً من أصل نحو 700 ألف تلميذ.

الأخطر من دمج السوريين ما يمكن أن تحمله هذه الجمعية الأميركية الجديدة للنظام التعليمي اللبناني من مفاهيم وأهداف، وخصوصاً أن التربية ليست قضية محايدة لتنقل الجمعيات خبراتها «التقنية» إلى الأساتذة، فيما يفترض أن يكون ذلك من مهمة الهيئات التربوية والرقابية المحلية.

البرنامج استوقف تجمّع المعلمين في لبنان (حزب الله) فانتقد «استباحة التّعليم من جمعيات مختلفة عبر بوابة تدريب المعلمين والمرشدين، ومن جهات ملتبسة الأهداف وبعناوين برّاقة من الخارج وزائفة من الداخل، كـ»الإدماج» و»التعدّدية»». ودعا، في بيان، وزارة التربية إلى أن تحافظ على سيادتها في جميع المشاريع والأنشطة التّربويّة المستوردة، وأن تكون ضابطة إيقاع لمديريّاتها ولا يغرّها التمويل فتنجرّ للقبول فوراً من دون التحقّق من تلك الأنشطة. وفيما رفض التجمع تغييب المركز التربوي، طالب الأساتذة بعدم المشاركة بالبرنامج، كذلك فعلت رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي التي شدّدت، في بيان، على عدم الانخراط في الدورات التدريبية من دون معرفة مضامينها وأهدافها، مشيرة إلى أننا «قادرون على تدريب أنفسنا بعيداً عن المصطلحات الخادعة كالإدماجية والتعددية».

رئيس التجمع، يوسف كنعان، قال إن الدور الرقابي لوزارة التربية ضعيف، سائلاً عن الجهة التي ستضبط المادة التدريبية التي ستضعها الجمعية، فيما الوزارة عاجزة عن الرقابة عليها، مشيراً إلى أن هناك حرصاً على إيهام الرأي العام بأن أمور التعليم الرسمي «ماشية وكل شي تمام». وأشار كنعان إلى أن الاندماج موجود في المؤسسات التربوية اللبنانية ولا حاجة إلى التدريب عليه، في حين أن هناك علامات استفهام حول العناوين المطروحة ولا سيما ثقافة السلام والتسامح وحل النزاعات ودعم الأقليات، محذّراً من إدخال مفاهيم تخدش القيم السماوية وتدمّرها وتفكك المجتمع ولا سيما الشذوذ». ولفت إلى أن «مسؤولة الجمعية، نينا راميرز، تعلن بشكل واضح تأييدها التام لإسرائيل وكراهيتها لفلسطين».

في الواقع، يحتاج التعليم الرسمي إلى توسيع جبهة الاعتراض على»اقتحام» المنظمات والجمعيات الأميركية والدولية للنظام التعليمي اللبناني. فوزارة التربية تبرم منذ أكثر من 15 عاماً اتفاقيات مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتنفيذ المشاريع (دراستي، كتابي وغيرهما) والتي تهدف، في العلن، إلى تعزيز التعليم الرسمي عبر مكوّنات مختلفة مثل رفع مستوى كفاءة الأساتذة، وترميم المدارس وتجهيزها وإشراك التلامذة في نشاطات لاصفية متنوعة، فيما هي، في الواقع، تستمر في سحب «داتا» المعلّمين والتلامذة وأهاليهم وبيئتهم، والاستباحة للمدارس والثانويات الرسمية بذريعة التدقيق في ملفات وسجلّات حضور الأساتذة. وتعمل، عبر منفذين محليين، بتمويل كبير وحرية مطلقة، إذ تفرض السياسات التربوية على وزارة التربية، كما تدفع آلاف الدولارات للمستشارين والمسؤولين المنتفعين في الوزارة.

«تطبيع تربوي» أم خطأ غير مقصود؟

انشغلت الأوساط التربوية في اليومين الأخيرين بما فعلته دار عون للنشر، لجهة طباعة كتاب للتربية الوطنية والتنشئة المدنية الموحّد للمدارس الرسمية والخاصة، يحمل على غلافه صورة مبنى الأمم المتحدة وعلم إسرائيل من بين أعلام دول العالم. وزارة التربية تحرّكت سريعاً فكلّف وزير التربية عباس الحلبي رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق والدائرة القانونية في المركز القيام بالإجراءات القانونية والملاحقة القضائية لـ»جميع الذين أقدموا على النسخ والطبع والتشويه غير البريء للكتاب». وبعدها توالت ردود الأفعال المستنكرة من رئيس لجنة التربية حسن مراد، ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة، ورابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، وحراك المتعاقدين في التعليم الثانوي الرسمي، واتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة. وقد وضعت المواقف ما حصل في سياق «الفعل غير المسؤول وغير البريء محذّرة من استغلال التجار لضعف الرقابة الرسمية ومن التطبيع التربوي». في المقابل، أشارت دار عون إلى أن الكتاب هو مساعد وليس أصلياً ومنسوخاً كما ذُكر في الإعلام، ولا يمكن للدار أن تطبع الكتاب الأصلي، إنما معها إذن بأن يُؤلّف كتاب مساعد وقد أسمته (المساعد في التربية)، موضحةً أن الخطأ وقع من المؤلّف من غير قصد لأنه سحب الصورة عن الإنترنت من دون انتباه لعلم الكيان الغاصب.

وأكدت أنه تم تجميد العمل بهذه النسخة وسحبها من السوق وسيصار اإى طبع غلاف جديد. وأرسلت الدار كتاب اعتذار إلى وزارة التربية والمركز التربوي لتوضيح الواقع. إذا كان المركز التربوي يملك الحق الحصري بإنتاج سلاسل الكتاب المدرسي الرسمي وفقاً للدستور واتفاق الطائف، فمن هو المسؤول عن التفلت والسماح لدور النشر الخاصة بانتهاك الملكية الفكرية وإنتاج كتب مدرسية رسمية بطريقة غير قانونية؟ وكيف يمكن نسخ الكتب وتزويرها وإعادة طباعتها إذا كانت الدور لا تملك «أصول» المواد والنصوص؟ يجري كل ذلك في غياب الحلول النهائية لطباعة الكتاب المدرسي الرسمي، فلا الشركات الملتزمة بالطباعة وافقت، هذا العام، على المشاركة في مناقصة المركز التربوي التي تجري بالليرة اللبنانية، ولا منظّمة اليونيسف قبلت أن تكرر ما فعلته قبل سنتين من طباعة للكتاب. وفيما يتداول مديرو المدارس بصعوبة إعادة تدوير الكتب المستعملة القديمة بحالتها المهترئة، تنامى إلى أسماعهم أحد الحلول المطروحة وهو إعداد نسخة pdf للدروس المقرّرة فقط من تطبيق e-book وتوزيعها على المدارس لتصويرها للتلامذة، وهو ما سيربك الإدارات بسبب صناديقها الخاوية. وثمة مديرون تحدّثوا عن رداءة التطبيق لجهة ثقله، بحيث لا يُسمح للأستاذ بفتح الصفحة وحفظها.

بطاقة تعريفية

ورد في الموقع الإلكتروني لجمعية Hardwired أنها تأسّست عام 2013 «لتعزيز الحماية القانونية والاجتماعية للأشخاص في البلدان التي تكون فيها حرية الضمير والمعتقد أكثر عرضة للخطر». وهي تؤمن «بأن الآراء والتعبيرات المتنوعة يمكن أن تكون نقاطاً حيوية للمناقشة بدلاً من أن تكون نقاطاً للصراع». وتساعد برامجها التعليمية والتدريبية قادة السكان الأصليين على «تنمية ثقافة الحرية في مجتمعاتهم».

وتشير الجمعية إلى أنها عملت مع قادة في أكثر من 30 دولة، ودرّبت الآلاف من القادة للتغلب على أعمق الخلافات بين مجتمعاتهم سعياً لتحقيق السلام. ويقوم القادة المدربون بقوة بإخراج المجتمعات من الصراع إلى مزيد من الكرامة والوحدة والحرية من خلال التعليم. كما أنشأت برامج الجمعية شبكات من المعلمين وقادة المجتمع والمسؤولين الذين يعملون على تعزيز حقوق الإنسان للمجتمعات الدينية والعرقية المتضررة من التعصب والعنف

:شارك الخبر