معارك الجنوب “المدروسة”:حزب الله في الصراع بلا حرب موسّعة
“المدن” – منير الربيع
طالما العمليات العسكرية الإسرائيلية مستمرة في قطاع غزّة، سيبقى الوضع على جبهة جنوب لبنان في حالة توتر واستنفار وعمليات متقطعة و”مدروسة”. إنها المعادلة التي أصبحت ثابتة منذ اليوم الأول للمعركة. إذ يثبت حزب الله بأنه لا يقف على الحياد، وبأن لبنان منخرط قلباً وقالباً في هذا الصراع.. فيما تستمر الضغوط الدولية الكبيرة لمنع انزلاق الوضع أكثر، ولمنع دخول حزب الله في الحرب بشكل واسع.
ولا يزال السؤال الذي لا إجابة عليه، يتعلق بالتحشيدات العسكرية الضخمة دولياً، ولا سيما من قبل الأميركيين والبريطانيين، وإذا كانت هذه التحشيدات ترتبط بمعركة غزة أم بما هو أوسع، أم أنها فقط تندرج في سياق الردع.
الحرب على مراحل
في هذا السياق، تتعثر عملية الدخول الإسرائيلي البري إلى قطاع غزة. وذلك بسبب صعوبة الميدان، وما تعده حركة حماس في الداخل. كما بسبب عدم جهوزية الكادر العسكري والبشري الإسرائيلي لمثل هذه العملية، وما قد ينتج عنها من خسائر. في المقابل، هناك من يعتبر أن اسرائيل تعتمد في غزة أسلوباً مشابهاً تماماً لعملية اجتياح بيروت في العام 1982. إذ بدأت بالحصار، المترافق مع قطع الماء والكهرباء والقضم التدريجي الذي يحتاج إلى وقت طويل، وقد تكون الخطة الإسرائيلية متركزة على الدخول إلى القسم الشمالي من القطاع، لمحاصرة مقاتلي المقاومة والمدنيين، والدفع بهم إلى تفاوض. وقد يكون هذا التفاوض في موازاة العمليات العسكرية.
على ما يبدو، الحرب تسير وفق مراحل. وحتى لو تدرج انخراط حزب الله في هذه الحرب، فستكون متدرجة وليس بالضرورة أن تندلع بشكل واسع وشامل، أو تتدحرج سريعاً في مسار مشابه لما جرى في حرب تموز. وبالتالي، فإن المرحلة الأولى من الحرب تتعلق في إشعال الجبهات على طول الحدود اللبنانية، من القطاع الشرقي الى الأوسط فالغربي. وغايتها هي إشغال الإسرائيليين وإبقاء قواتهم على الجبهة الشمالية لعدم التفرغ بشكل كامل للجنوب (غزة). وهذه المرحلة الأولى تفرض الوقائع القائمة منذ يوم عملية طوفان الأقصى إلى الآن. فحتى لو تصاعدت العمليات العسكرية أكثر، ليس بالضرورة أن تطال بيروت والضاحية الجنوبية. وربما في المرحلة الثانية قد تطال مناطق أكثر عمقاً في الجنوب.
تجنب الحرب الواسعة
عملياً، فإن معادلة الردع القائمة من قبل حزب الله، لا تمنح الإسرائيليين أي فرصة لشن عمليات باتجاه بيروت أو الضاحية. كذلك فهي ستمنعه من القيام بأي اجتياح برّي. بينما أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإسرائيليون هو تنفيذ بعض العمليات كاستهداف مواقع وأهداف تم تحديدها مسبقاً للحزب. وكان لدى الحزب الوقت الكافي لإعادة ترتيب مواقعه ونقل مقتنيات بعضها. أي لن يستفيد الاسرائيلي عسكرياً من أي عمليات تدمير شاملة في لبنان.
في حال استمرت وتيرة المعارك على حالها، يمكنها أن تبقى مضبوطة، وفي الوقت نفسه يمكنها أن تتوسع أكثر. وأي خطأ في الحسابات قابل لأن يقود إلى حرب إقليمية. وتلك حرب تسعى كل الأطراف إلى تجنّبها، من الأميركيين إلى الإسرائيليين وكذلك بالنسبة إلى ايران وحزب الله.
انعدام الرغبة في اتساع الحرب واتخاذها بعداً إقليمياً، يتطابق مع عدم التبني الإيراني لأي تخطيط أو تنسيق مسبق مع حركة حماس حول الحرب. كما يتطابق مع عدم وجود أي اتهام أميركي فعلي لإيران بالوقوف خلف عملية طوفان الأقصى. وهذا لا يمكن فصله عن ما يعلنه الأميركيون حول إرسال حاملات طائراتهم ومدمراتهم إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، باعتبار هدفها للردع وليس للانخراط في حرب.
استمرار المجازر التي يرتكبتها العدو الإسرائيلي في غزة، ستؤدي إلى انقلاب الرأي العام العالمي على الإسرائيليين. وهذا سيمنعه من استكمال معركته إلى النهاية. فيما يبرز موقف عربي واضح يدعو إلى وقف إطلاق النار، وعدم تهجير المدنيين. وفي المقابل تضع اسرائيل شعاراً كبيراً لمعركتها، وهو القضاء على حركة حماس، وذلك لا يبدو أنه بالهدف القابل للتحقيق وفق مسار المعركة حتى الآن.