“الحزب” يختار “الجزرة” الأميركية!
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
ينقل أحد الديبلوماسيين اللبنانيين الناشطين عن مسؤولين غربيين التقاهم بعد عملية «طوفان الأقصى» أمرين أساسيين: عمل خارجي جادّ لعدم دخول لبنان في حربٍ واسعة مع إسرائيل، وتخوّفهم بحسب معطيات متقاطعة من إقدام إسرائيل على تنفيذ ضربة كبيرة للبنان و»حزب الله».
ديبلوماسي آخر متابع للمواقف الغربية، يعتبر أنّ مبدأ الحفاظ على استقرار لبنان وعدم جنوح البلد الى فوضى أو حرب من أي نوع لا يزال قائماً، انطلاقاً من المصالح الخارجية والغربية تحديداً. فأي دولة من الدول الفاعلة لا تريد أن ينهار لبنان لأنّ هذا يجرّ هذه الدول الى «ما لا تحمد عقباه».
هذا المبدأ لم يتغيّر بعد الحرب في قطاع غزة. بل انطلاقاً من ذلك، ومن التخوف من أن يُطاول الحريق لبنان، «يركض» الأميركيون من دولة الى أخرى في المنطقة لحصر نيران هذه الحرب ومنع تمدّدها خصوصاً الى لبنان، ولذلك يسارع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى لقاء المسؤولين في دول الشرق الأوسط حتى من دون جدولة مسبقة. الأميركيون والأوروبيون والروس يتقاطعون على الاهتمام نفسه بأن لا يغرق لبنان، لأنّه يورّطهم فتتضرّر مصالحهم في المنطقة، فضلاً عن التخوف من حرب شاملة تفرض تدخّلهم فيها. لذلك حرّك الغرب والأميركيون خصوصاً الأساطيل نحو المنطقة، في رسالة: «لا لتوسيع الحرب». كذلك لا مصلحة لإيران الآن في حرب واسعة في المنطقة «تخربط» أوراقها النووية. هذا بالتوازي مع الرسائل الخارجية والأميركية تحديداً علناً أو إبلاغاً، الى «حزب الله» وإيران، وجوهرها واحد: «عصا» التدخل الأميركي في «الحرب» أو «جزرة» المكافأة مقابل عدم توسيع الحرب.
الى المصالح الخارجية في لبنان، إنّ الأجواء الداخلية في البلدان الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية غير داعمة للحرب، ويواجه الرئيس الأميركي جو بايدن انتقادات جرّاء اندلاع حروب في عهده ما لم يحصل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. فضلاً عن أنّ الرأي العام العالمي يتحوّل ضدّ إسرائيل كلّما طالت الحرب. ويبدي هذا الديبلوماسي اعتقاده أنّ الأحد المقبل سيشهد تظاهرات كبيرة في أنحاء العالم لوقف الحرب في غزة. وهذا الرأي العام من الأسباب التي دفعت واشنطن الى الضغط على إسرائيل لإنهاء أهداف حربها في غزة سريعاً.
عملية «طوفان الأقصى» أظهرت عجز الجيش الإسرائيلي عن حماية المستوطنات، ونتجت عن ذلك خشية لدى الإسرائيليين من «كسر» صورة الجيش ما يؤدّي الى استسهال مهاجمته في أي وقت من أكثر من دولة عربية. وانطلاقاً من المسألة الوجودية بالنسبة الى إسرائيل لجهة أن يكون جيشها لا يُقهر وأقوى من كلّ الجيوش، كان هناك مخطّط لضرب حركة «حماس» و»حزب الله» في الوقت نفسه، إذ إنّ مشكلة إسرائيل بعد «طوفان الأقصى» ليست خارجية فقط، بل باتت داخلية مع المستوطنين الذين يرفضون العودة الى المستوطنات الحدودية إن جنوباً مع غزة أو شمالاً مع لبنان، انطلاقاً من الخوف من عملية أخرى مماثلة.
الحلّ أتى من الأميركيين والأوروبيين، بدعم عسكري عبر الأساطيل، لكن إسرائيل لم تقتنع بذلك وتريد إعادة «الهيبة» الى جيشها وقوة الردع الخاصة بها بمعزل عن الدعم العسكري الغربي، لذلك شنّت هذه الحرب «الوحشية» على قطاع غزة. لكن الرفض الأميركي و»الأرض» أجهضا هذا المخطط الإسرائيلي ومنعا ضربة إسرائيلية استباقية كبيرة لـ»حزب الله». وبات احتمال تنفيذ هذه الضربة ضئيلاً بسبب عدم التقدّم الإسرائيلي السريع في غزة وانقلاب الرأي العام العالمي. ورغم أنّ «الأرض» غيّرت المخطط وليس التفكير الإسرائيلي الاستراتيجي، لا يزال الإسرائيليون يعتبرون أنّ «حزب الله» يمكنه في أي وقت أن يدخل ويخطف مستوطنين أو ينفّذ عملية كالتي نفّذتها «حماس» إنّما مضاعفة عشرات المرات.
على ضفة «حزب الله»، إنّ التزامه بضربات محدودة ومساندة الفلسطينيين من دون توسيع رقعة الاشتباك مع إسرائيل، سببه الأساس، بحسب ما يشرح هذا الديبلوماسي، التهديدات الأميركية، فواشنطن واضحة مع إيران و»الحزب» لجهة أنّ توسيع الحرب يعني أنّ المعركة باتت مع الولايات المتحدة وليس إسرائيل، و»الحزب» لا يمكنه أن يحارب الأميركيين. وإذ تستخدم واشنطن الآن مع كلّ دول المنطقة وخصوصاً إيران والميليشيات التابعة لها، سياسة «العصا» و»الجزرة»، يبدو أنّ إيران و»الحزب» اختارا «الجزرة» الأميركية، والتي قد تتظهّر بعد انتهاء الحرب، باستئناف المفاوضات النووية.