بوادر أزمة بين لبنان و”اليونيفيل”
كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
تفاعل القرار الذي أصدرته المحكمة العسكرية نهاية الأسبوع الماضي، وقضى بإطلاق سراح محمد عيّاد، المتهم بالتورّط في قتل الجندي الآيرلندي شون روني (23 عاماً) الذي كان ضمن قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان. وأثار القرار استياء الأوساط القانونية والسياسية التي وضعته في سياق الضغط الذي يمارسه «حزب الله» على المحكمة العسكرية. وعياد هو أحد عناصر الحزب.
وكانت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد خليل جابر، أفرجت عن عيّاد، الموقوف الوحيد في قضية قتل الجندي الآيرلندي وجرح ثلاثة من رفاقه، خلال اعتراض دورية تابعة للكتيبة الآيرلندية ليل 14 كانون الأول 2022 في بلدة العاقبية، وجزم مصدر بارز في المحكمة العسكرية بأنه «لا خلفية سياسية للقرار، وأن الإفراج عن عيّاد جاء لأسباب صحيّة كونه يعاني من مرض السرطان، ويحتاج إلى علاج دائم، لا تستطيع إدارة السجن تحمّل تكاليفه».
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن المحكمة «وافقت على إخلاء سبيل عيّاد لقاء كفالة مالية مرتفعة، وهي مليار و200 مليون ليرة لبنانية (13.300 دولار أميركي)، وهي كفالة ضامنة لمثوله جلسات المحاكمة»، لافتاً إلى أن «دوافع القرار إنسانية، وسبق للمحكمة أن أطلقت سراح عدد كبير من الموقوفين الذين يعانون من أمراض مستعصية، حتى لا تتحمّل تبعات تعريض حياتهم للخطر داخل السجن».
وكانت المحكمة العسكرية عقدت جلسة محاكمة علنية خلال شهر آب الماضي، استجوبت خلالها عيّاد، الذي نفى إطلاق النار على الجندي الآيرلندي، وأشار إلى أن «حادثة مقتل الجندي جاءت نتيجة إطلاق النار عشوائياً، وليس بهدف القتل». وشدد المصدر القضائي على أن المتهم «سيخضع لجلسات محاكمة إضافية، وإذا صدر حكم وتضمن عقوبة تفوق مدة التوقيف التي أمضاها سيجري اعتقاله مجدداً».
واتهم القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان، عيّاد وأربعة أشخاص آخرين بـ«تأليف جماعة من الأشرار، وتنفيذ مشروع جرمي واحد». واعتبر القرار أن «أفعال كلّ مِن الموقوف عيّاد والأربعة الآخرين الفارين من وجه العدالة تنطبق على الفقرة الخامسة من المادة الـ549 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنصّ على أنه (إذا ارتكب جرم على موظّف رسمي أثناء ممارسته الوظيفة أو في معرض ممارستها أو بسببها يعاقب بالإعدام)».
وقال المتحدث باسم قوات «اليونيفيل» أندريا تيننتي لـ«الشرق الأوسط»، إن المحكمة العسكرية اللبنانية أبلغت «اليونيفيل» أن الموقوف المتهم في الهجوم الذي أدى إلى مقتل الجندي شون روني، «قد تم إطلاق سراحه بكفالة بسبب تدهور حالته الصحية»، وأنه يتعين عليه المثول أمام المحكمة في الجلسة المقبلة المقرر عقدها في 15 كانون الأول المقبل. وأكد تيننتي أن «اليونيفيل» «تواصل المطالبة بالمحاسبة على مقتل الجندي روني، الذي، مثل جميع الهجمات على قوات حفظ السلام، يعد جريمة بموجب القانون الدولي واللبناني». وأشار تيننتي إلى أن المتهمين الآخرين في الاعتداء «ما زالوا طلقاء»، مشيراً إلى «أننا نواصل حثّ السلطات اللبنانية على تقديمهم إلى العدالة وضمان محاسبة جميع الذين ساهموا في مقتل روني، على جريمتهم».
وتخوّف مصدر سياسي في المعارضة اللبنانية من «ارتدادات سلبية لهذا القرار على مصداقية الدولة اللبنانية في معاقبة المعتدين على القوات الدولية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «إخلاء سبيل الموقوف لن يؤدي إلى تغيير في طبيعة مهمّة (اليونيفيل)، لكنه سيحمل تفسيرات ملتبسة، أقلّه أنه يعطي انطباعاً بأن الدولة توفّر غطاءً لكل من يحاول الاعتداء على (اليونيفيل) أو يخلق أسباباً تخفيفية لجرائم استهدافها».
من جهته، رأى رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، أنّ المحكمة العسكرية يمكن أن تكون قد أسندت قرارها على المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الّتي تنص على ألا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية 6 أشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل»، لكنه أشار إلى أن «نص المادة 108 استثنى صراحة جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية».
وقال مرقص لـ«الشرق الأوسط»: «من المحتمل أن تكون هيئة المحكمة العسكرية، ودون أن نذهب إلى تبرير قرارها، قد اكتفت بمدة توقيفه، أو رأت عدم توافر نية القتل على اعتبار أنّ فترة التوقيف تكون قريبة من المدة التي سيحكم بها في ظلّ غياب الدليل الكافي الّذي يثبّت النية الجرمية مع تسارع الأحداث الأمنية في إطار الجريمة حينذاك، وبسبب تدهور حالته الصحية بحسب مصادر المحكمة العسكرية».
وأشار مرقص إلى أن «إخلاء السبيل الحاصل في ظلّ هذه الظروف لا يدعو إلى الاستغراب مقارنة بسواه من القضايا، فقد سبق أن أخلت المحكمة العسكرية سبيل الموقوف مصطفى حسن مقدم (المتهم باغتيال الملازم أول الطيار سامر حنا بعد أقل من 10 أشهر على توقيفه) لقاء كفالة مالية مقدارها عشرة ملايين ليرة»