الـ”1701″ وكلمة الفصل… للميدان أم للدبلوماسية؟
كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:
مع عبور «طوفان الأقصى» غلاف غزّة والردّ الإسرائيلي بحرب شاملة على القطاع، دخلت الجبهة الجنوبية بين مدّ المعارك وارتفاع زخمها، وجزر القرارات الدولية لا سيّما الـ1701. سبعة عشر عاماً، إكتفت فيها الأطراف المعنية بتسجيل خروقات بين بعضها البعض ورفع شكواها إلى «ناظر» الأمم المتحدة، أي مجلس الأمن. لكن تسارع الأحداث الميدانية وإعلان «حماس – لبنان» إطلاق «طلائع طوفان الأقصى»، بالتزامن مع الرحلة الرابعة لموفد «الخماسية» جان إيف لودريان، وتبعه رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه، وحديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن ترتيبات سياسية وعسكرية لإبعاد «حزب الله» من الحدود، عوامل أرخت بظلالها على المشهد اللبناني واستدعت تواصل الهبوط الغربي في بيروت، آخره مدير عام الشؤون السياسية والأمنيّة في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية فريدريك موندولي، آتياً من تلّ أبيب.
وفي سباق تقليديّ بين صنويّ الحرب والدبلوماسية، لترتيب أوضاع جديدة بناءً على قرارات قديمة محفوظة في خزائن المنظّمة الدوليّة، كثر الحديث عن الـ1701، الذي أنهى حرباً في العام 2006 ولم يقفل بابها، فاتحاً في المقابل، تساؤلات عدة حول نضوج الظروف المحليّة والإقليميّة بشأن تطبيق القرار أو إعادة تطبيق مضامينه الواضحة لناحية خلوّ منطقة جنوب الليطاني «من أي مسلّحين ومعدّات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل، ومنع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى لبنان إلا تلك التي تسمح بها الحكومة اللبنانية، والتطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680».
يتّفق المعنيون والمطلعون على مجريات المفاوضات بين لبنان وإسرائيل أنّ تعديل القرار غير وارد. أمّا توقيته فلا يمكن عزله عن التطوّرات الميدانية في غزّة وما ستؤول إليه خواتيمها، إنطلاقاً من ترابط الجبهات وتأثيراتها المتبادلة وإن بنسب متفاوتة في موازين القوى ومدى ارتفاع السعرات الحرارية العسكرية. فالخطّ الأزرق لا يزال خاضعاً حتى الآن للخطوط الحمراء ولم يخرج عن دائرة «المساندة والمشاغلة». في السياق ترى أوساط دبلوماسية رفيعة أنّ الحلول متوفّرة ومؤجّلة في آن، إلى حين وقف الحرب في غزّة. عندها سنشهد بلورة تفاهمات أو قواعد اشتباك جديدة (تحت سقف الـ1701) بين طرفي النزاع الأساسيين؛ إسرائيل و»حزب الله» تختلف عمّا كانت عليه قبل تاريخ «7 أوكتوبر»، مصحوبة بجملة تحدّيات منها الخروقات الإسرائيلية المتكرّرة واستعمال الأجواء اللبنانية لشنّ غاراتها على سوريا، أو لناحية التعقيدات الحدودية المتعلّقة بالنقاط الثلاث عشرة الخلافية والإنسحاب من شمال الغجر وتلال كفرشوبا، إضافة إلى مسألة مزارع شبعا التي تعتبرها الأمم المتّحدة أنّها لا تخضع لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 425. وتخلص المصادر إلى أنّ التفاهمات الجديدة (وليس اتفاقات) لن تكون قريبة. وأي كلام عن ترتيبات عند الحدود الجنوبية معزولة عن مشهد الصراع في غزّة غير واقعي.
الظروف شبه جاهزة
في المقابل، يرى العميد الركن المتقاعد أنطون مراد، أنّ «الظروف الدولية أصبحت شبه جاهزة، مع دخول الحرب على غزّة فصلها الأخير، وأن الحلّ النهائي في القطاع ومهما كان شكله سيرتّب على لبنان تطبيق القرار 1701». واستبعد ما يُحكى عن تعديلات معيّنة، لجهة السماح لـ»حزب الله» بإقامة نقاط مراقبة له عند الحدود»، مشيراً إلى أنّ «الأخير ليس بحاجة إليها. فبيئته الممتدّة على كامل الجنوب تسمح له بتأمين المراقبة الذاتية والشعبية».
وعلى عكس الإنطباع العام السائد، يشدّد مراد على أنّ القرار 1701 الذي أجمعت عليه الحكومة اللبنانية آنذاك وضمناً «حزب الله» رغم بعض التحفّظات، فقد طُبّق بنسبة مقبولة، منذ العام 2006 حتّى 2023. إذ شهدت الجبهة الجنوبية استقراراً كبيراً رغم الخروقات والعمليات العسكرية المحدودة والمحصورة. كما أنّ «الحزب» لم يُظهر وجوداً عسكرياً علنيّاً. إضافة الى أن أسلحته الثقيلة أو الاستراتيجة موجودة بعد جنوب الليطاني.
في الإطار، يقارب العميد مراد القضية بواقعية وانطلاقاً من قراءة وتحليل المصالح المشتركة للمعنيين بالصراع ومراعاة الظروف اللبنانية ووضعية «حزب الله». إذ تعتمد القوى الدولية ومنها الولايات المتحدة الأميركية سياسة «الغموض البنّاء» وطمأنة الأطراف المتحاربة في سبيل توافر الحلول وإيجاد المخارج المناسبة لمعالجة المسائل الكبرى. فتعلم الأخيرة أنّ سحب «الحزب» لـ»قوّة الرضوان» من الحدود أو جنوب الليطاني غير منطقيّ، «فهل يُطلب على سبيل المثال لا الحصر من إبن عيتا الشعب المنضوي في الفرقة المذكورة بأن يترك قريته؟».
هذا الإخراج انسحب على القرار 1559 الذي ينصّ على سحب السلاح من كلّ المجموعات المسلّحة غير الشرعية، بإعلان الحكومات المتتالية في بياناتها أنّ «حزب الله» ليس «ميليشيا بل مقاومة». وعن دور قوات الأمم المتحدة «اليونيفيل» في تطبيق الـ1701، أوضح أن «اليونيفيل» هي قوّة مساند ومساعدة للدولة اللبنانية وبالتالي تُنفّذ ما تطلبه منها الحكومة. ويتّفق مراد مع الداعين إلى تذليل العقبات الأساسية من نقاط حدودية خلافية والإنسحاب من شمال الغجر وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا المحتلّة، مردفاً أنه «إذا اعترفت سوريا بلبنانية المزارع، نكون قد حقّقنا إنجازاً عظيماً». وسلّط مراد الضوء على «ثغرة جغرافية» مرتبطة بمزارع شبعا ألا وهي أنها تقع خارج جنوب الليطاني، مع الإشارة إلى أنّ الخطّ الأزرق يشملها وبالتالي القرار 1701.
في الختام، يؤكّد مراد أنّ الجميع لديهم مصلحة في تطبيق القرار الدولي وأنّ المسألة ليست بعيدة، متوقّعاً جلاء الواقع الميداني في غزّة خلال الشهر أو الشهرين المقبلين مع تقدّم «العدو الإسرائيلي في جنوب القطاع» والوصول إلى تسوية قد ينتج عنها «1701 غزّاوي»، بعد استكمال التوافقات الإقليمية والدولية وشكل الإدارة السياسية أو الحكومية في القطاع.