“الجَمعة مقدّسة ولو على صحن مجدّرة”
كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
عندما يُسأل الناس في زحلة عمّا إذا كان تراجع الأحوال المعيشية سيدفعهم للتخلّي عن بعض عاداتهم، يسارع هؤلاء إلى التأكيد بأن لا تبديل في عادات العيد. فالعائلات ستجتمع ولو «على صحن مجدرة» كما تقول إحدى السيّدات، والأولاد سيفتحون هدية واحدة على الأقلّ، والضحكات سترتفع ولو تحت تأثير المشروب ولو كان أقلّ جودة من ذلك الذي اعتادوه سابقاً.
فالاحتفال بعيد الميلاد على ما وصفه راعي أبرشية زحلة والفرزل والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إبرهيم إبرهيم «هو واحد من أجمل التقاليد التي تجمع بين الناس وتعزّز مشاعر المحبة والأمل في قلوبنا. وهذا الأمل ممنوع أن يسرق منا، وخيارنا هو الثبات في أرضنا ومدينتنا». وزحلة ثابتة بإحياء هذه العادات، إنما مع تقليص الميزانيات التي كانت تنفق في العيد إلى ما دون النصف، قياساً إلى تراجع مداخيل اللبنانيين عموماً.
وعليه تبدّلت الأعراف الخاصة بكل عائلة في العيد، إنما من دون أن تتبدّل التقاليد الاجتماعية العامة في المدينة. وفي العائلات التي يلزم فيها كل من المدعوين بهدية لكلّ طفل من أطفالها، اتّفق الكبار بأن لا يشتري الأهل سوى هدايا أولادهم، فلا يتسبّب أحدهم في إحراج للآخر. عائلات أخرى اتّفقت على جمع مبلغ من المال في ما بينها وإعطائه للوالدين مسبقاً حتى يختاروا هدايا أولادهم وفقاً لرغباتهم، على أن لا تتعدّى حصة كل طفل الهدية الواحدة أيضاً. وغيرها وجدت طرقاً أخرى لإبقاء الفرحة في المنازل إنما من دون أن تنكسر ميزانيتها لأول شهر من العام الجديد.
هذا الأمر انعكس كما يقول طوني، وهو واحد من أصحاب صالات بيع الهدايا الكبرى في مدينة زحلة على حجم المبيعات الذي تراجع بنسبة خمسين بالمئة، بالإضافة إلى ما لمسه من تراجع في الميزانيات المحدّدة للألعاب من قبل معظم العائلات. ومن هنا يقول طوني إن مؤسسته قرّرت أن تتنازل عن جزء من أرباحها لقاء إبقاء نسبة المبيعات ضمن الحدود المقبولة.
والأمر نفسه ينطبق على مؤسسة أصغر حجماً تبيع أيضاً الهدايا في وسط مدينة زحلة، حيث يشرح صاحبها ماريو أنّ مؤسسته درجت على استهداف الطبقتين الفقيرة والمتوسطة منذ نشأتها، وهما الطبقتان الأكثر تأثراً بالأزمة، حيث لاحظ تراجعاً حتى في ميزانياتهما الموضوعة سابقاً والتي كانت محدودة أساساً.
ولكن إذا كان فتح الهدايا يجب أن يتمّ بمنزل «التيتا وجدو» فإنّ البعض أيضاً قرّروا ألا يلقوا عبء «طاولة العيد» على جهة واحدة، وبالتالي سيحضر كل من المدعوين البديهيين طبقاً على الأقل ليتشاركه في ليلة العيد مع أفراد عائلته. وعليه لم تأتِ المعادلة الإنفاقية في السوبرماركت والمؤسسات المتوسطة لبيع المأكولات في هذا العيد مختلفة عن تلك التي شهدتها محلات بيع الألعاب. فيؤكد أحد أصحاب سوبرماركت غزالي في شتورا أنّ الأزمة غيّرت طريقة اختيار الناس مكوّنات طاولاتهم. وبالتالي إذا كانت «الشاركوتري» من الأمور التي لا يمكن التخلّي عنها على طاولة العيد، فإنهم عمدوا إلى تبديل بعض مكوناتها من الأجبان وأنواع اللحوم. وتخلى البعض عن المستورد والباهظ الثمن من المنتجات ويتوجّهون لاختيار تشكيلتهم من منتجات محلية أو تلك التي يكون سعرها أقرب إلى ميزانياتهم.
هذا في وقت تميّز جورجينا، صاحبة سوبرماركت حريز الأصغر حجماً في وسط مدينة زحلة، بين فئة الناس التي لا تزال تملك الإمكانيات على الرغم من كل الظروف ومن خسروا مدّخراتهم وقيمة رواتبهم. وتؤكد أنّ أصحاب المداخيل «الفريش» لم يسقطوا أي تفصيل من تفاصيل سفرة العيد، وبالتالي لا تراجع في نسبة المبيعات التي تتوجّه إلى هذه الطبقة بمؤسستها، «كون هذه المنتجات لها زبائنها بالأساس».
في الأثناء، تشهد مدينة زحلة نشاطات ميلادية مكثّفة تستمرّ حتى عشية عيد الميلاد، وتظهر كمحاولة للتعويض على نقص «الزينة» التي لم تحضر سوى بحدّها الأدنى هذا العام. وقد جاء هذا النقص في جزء منه أيضاً، تحت تأثير الأزمة الإقتصادية التي حرمت المؤسسات من وضع الميزانيات للزينة وحوّلتها إلى أماكن أخرى.
وإذا كانت زحلة قد شهدت زحمة قرى ميلادية لهذا الموسم، فإنّ المشاركة في معارضها لم تأت أيضاً منفصلة عن الأزمة الاقتصادية التي دفعت بالعديد من ربات البيوت وحتى الشبان للبحث عن مداخيل إضافية من إنتاجات منزلية، فكانت هذه القرى الميلادية التي جمعت منتجاتهم الحرفية فرصتهم لتعريف الناس عليها.