كتبت آمال خليل في “الأخبار”:
في متوسطة صور الرسمية، حوّلت ربّة أسرة إحدى زوايا غرفة الصف إلى مطبخ لإعداد طعام الإفطار لأسرتها. منذ نزوحها عن مروحين إلى المدرسة التي تحوّلت إلى مركز إيواء، كانت تعتمد على وجبات الطعام الجاهزة التي توزّعها الجمعيات وبرنامج الأغذية العالمي. «أحياناً لم يكن يعجبنا الطعام، وأحياناً كان يصل بارداً. لكننا كنا نتحمّل. أما الآن، فالصائم يحلو له أن يأكل الوجبات التي يحبها. لذلك، اضطررت لشراء أدوات الطبخ وحاجات الطعام لأجهّز لأولادي وجباتهم المفضّلة بما تيسّر من قدرة مالية».في الباحة الخارجية للمدرسة، خُصّصت قاعة كبيرة لتخزين مواد الإغاثة الطارئة: فرش وأغطية وحصص غذائية وأدوات تنظيف. يتوافق نازحون كثر على أن هذه الحاجات الطارئة تُوزع بكميات كافية سواء للنازحين المقيمين في مراكز الإيواء أو للمنتشرين في شقق خاصة. لكنّ آخرين يشكون من نقص في حاجات رئيسية أخرى، ولا سيما الأدوية والطبابة. والبعض يفضّل لو أن الجمعيات تقدّم دعمها «كاش» لإنفاقه وفق أولوياتهم.
عشية دخول العدوان الإسرائيلي شهره السابع، يزداد الضغط على النازحين وعلى الجهات المعنية بتلبية حاجاتهم. ووفق مسح أجرته لجنة إدارة الأزمة الحكومية، بالتعاون مع وحدات إدارة الكوارث في الجنوب والنبطية والمنظمات الدولية، تبيّن «نزوح 140 ألفاً عن البلدات الحدودية، من بينهم حوالي 93 ألفاً مسجّلون لدى البلديات، في مقابل 60 ألفاً لا يزالون يقيمون في مناطق النزاع». كما أُقفلت 75 مدرسة رسمية وخاصة في البلدات الحدودية والخلفية منذ بدء العدوان وتضرر 790 هكتاراً من الأراضي الزراعية و340 ألف رأس ماشية، بحسب الأرقام التي عُرضت أمس في مؤتمر عُقد في السراي الحكومي بدعوة من لجنة إدارة أزمة النزوح الحكومية.
محافظ النبطية بالوكالة هويدا الترك قدّمت مداخلة عن تداعيات العدوان على المحافظة التي شهدت نزوحاً عن بعض بلداتها باتجاه بلدات أخرى فيها. وأوضحت لـ«الأخبار» أن الحاجات اللازمة في المرحلة اللاحقة من العدوان «لا تقتصر فقط على الفرش والأغذية وأدوات التنظيف. هناك حاجات مستجدّة منها تأمين الأدوية المزمنة ودعم القطاع الزراعي المنكوب وتأمين آليات كافية لفرق الدفاع المدني في حال تصاعد الاعتداءات». ولفتت إلى أن خطط الطوارئ لإدارة الأزمة على الصعد كافة من الغذاء إلى التعليم والصحة «لم تُطبق بشكل كاف بسبب نقص التمويل». واستعرض منسق الشؤون الإنسانية في مكتب الأمم المتحدة في بيروت عمران ريزا بالأرقام، التقديمات الأساسية التي حصل عليها النازحون في الأشهر الثلاثة الماضية، من عدد الوجبات الساخنة إلى جلسات التأهيل النفسي، وبلغت قيمتها حوالي 24 مليون دولار. لكنه ركّز على أن الأولوية في المرحلة المقبلة «تحديد الأولويات التشغيلية ومتطلبات التمويل للاستجابة لحالات الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر لنحو مئتي ألف شخص».
وقال رئيس اللجنة الحكومية وزير البيئة ناصر ياسين لـ«الأخبار» إن سدّ حاجات النازحين الرئيسية للأشهر الثلاثة المقبلة «يستلزم الحصول على 72,4 مليون دولار». وحتى الآن، لم يصرف المانحون أي مبلغ لدعم النازحين جراء العدوان. فيما الأموال التي صرفتها المنظمات المحلية والدولية «عبارة عن نقل اعتمادات قامت بها من مشاريع كانت قائمة ومموّلة سابقاً، إلى مشاريع أخرى طارئة لصالح الجنوبيين»، لافتاً إلى أن هذه المبالغ «لم تكن كافية بالنظر إلى حجم الحاجات وإطالة أمد الأزمة، ولا سيما على صعيد المستلزمات الطبية ودعم المستشفيات الحكومية الحدودية». وللحصول على المبلغ المنشود (73 مليون دولار)، ستبدأ لجنة الأزمة التواصل مع السفارات الكبرى لطلب المساعدة. وأضاف: «حتى الآن لم نحصل على شيء، لكن علينا أن نؤدي دورنا».
وفي ظل حياد المجتمع الدولي، سُجّلت مبادرات من بلديات وجمعيات محلية لتأمين رواتب شهرية وأدوية وكلفة طبابة بدعم من مغتربين جنوبيين، فيما كان أكبر التقديمات من قبل جمعية العمل البلدي التابعة لحزب الله على صعيد تأمين الكهرباء والمياه والاستشفاء. وبحسب مسؤول العمل البلدي في المنطقة الأولى علي الزين، «تم تزويد كثير من الآبار ومحطات المياه ومولدات الاشتراك وسنترالات أوجيرو والمستشفيات الحكومية بمادة المازوت لتأمين استمرارية عملها، إضافة إلى المساهمة في صيانة شبكات الكهرباء والمياه المتضررة من القصف وشاحنات البلديات وآليات الدفاع المدني».