كنعان: ستّة ملفات داهمة… وإلاّ فلا بناء للدولة

لبنان أبريل 5, 2024

كتبت منال شعيا في “النهار”:

في زمن الدعوات الى الحوار والمبادرات، وفي زمن الفراغ الرئاسي الذي يكاد يقترب من العامين، تُطرح الكثير من العناوين الحوارية التي تشكل، في نظر أصحابها، مخارج للحل وللسير في سكة التعافي الطويلة.

من هذه الدعوات، ما أعلنه أخيراً رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في ما سمّاه “الحوار الاستراتيجي”. فماذا يعني هذا الحوار؟ ما أطره أو محاوره؟ والأهم، بمَ يختلف عن الحوارات التي تدعو إليها بعض الكتل والاحزاب؟

ينطلق كنعان أولاً من الاسم: “إنه حوار استراتيجي لأنه يشكل خريطة طريق تتألف من بنود أو ملفات عدة، حول أمور تُعدّ استراتيجية بالنسبة الى لبنان، ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة بالذات”.

يشرح لـ”النهار” هذه الخطة. يقول: “الحوار الاستراتيجي هو عبارة عن حوار سياسي حول ملفات داهمة، إذ بمعزل عن انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يُفترض أن يجري اليوم قبل الغد، وفق آلياته الدستورية الواضحة والمكتوبة، فإنه لا بد الآن من الاتفاق على معالجة العديد من الملفات الملحة للخروج من النفق”.

ملفات ستة
يعدد هذه الملفات، وفق التراتبية الآتية: “الملف الأول، موقع لبنان في المنطقة، ونوع السياسة الذي يُفترض أن تُعتمد في وجه الأخطار الخارجية. وبالطبع، يرتبط الشق السيادي بهذا الملف، لأن قرار الحرب لا يحدّده أي طرف وحده. إن المصلحة الوطنية تعلو كل اعتبار، وتحديد موقع لبنان يُفترض أن يكون أولوية في هذا المسار. وهذا الملف يرتبط مباشرة بالملفات الأخرى، أي إنه يتقدمها في مشوار الإنقاذ.

الملف الثاني، الوضع المالي – النقدي الذي لا يحتمل التأخير بعد، إذ إن حكومتين تعاقبتا حتى الآن، حكومة الرئيس حسان دياب وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولم تعالجا هذا الملف.
الملف الثالث، الإصلاحات الضرورية، التي يُفترض أن تبدأ من القطاع العام لانتظام هيكلية الدولة. في عام 2017، حين أقرت سلسلة الرتب والرواتب، لم ير المعنيون في السلسلة، إلا زيادة الرواتب، فيما أقر مجلس النواب في الجلسة نفسها، قرار وقف التوظيف والتعاقد، واتفق على إرسال مؤسسة دولية لدرس هيكلية القطاع العام وإعادة ترتيبه، تزامناً مع اعتماد المكننة، بغية التوصل الى معرفة الحاجة الحقيقية لهذا القطاع. هذا العمل لو تم، لكنّا وفرنا بين 60% الى 70% من المصاريف والتشغيل.

الملف الرابع، إدارة هيكلة المصارف. هذا الملف الذي لا يزال مجمّداً، على الرغم من مرور أعوام على الأزمة والانهيار الكبيرين، إذ تحولت المصارف مجرد صناديق. وكل ذلك يؤدّي حتماً الى ضرب الاقتصاد والقطاع الخاص وهروب رأس المال الى الخارج، ممّا لا يساعد أبداً في مشوار الإنقاذ والتعافي، وسط تخبط الحكومة ومصرف لبنان وتأخير البت في هيكلة المصارف.

الملف الخامس، الكهرباء. هو الملف الذي كان يُعدّ العبء الاساسي على كاهل الخزينة. واليوم، بعد رفع الدعم باتت الكلفة كبيرة على أن تتحمّلها الدولة. الأمر يحتاج الى قرار استراتيجي وشراكة بين القطاعين العام والخاص، لأن التجارب دلت على أن الدولة إدارة فاشلة، إذ حين تدير المرفق العام تفسده وتنهبه.

الملف السادس، إعادة هيكلة الدين العام، إذ إن صفر عجز يُعتبر رقماً غير صحيح وغير حقيقي، لأننا لا نكون احتسبنا ما علينا من مبالغ الى الخارج. ولا يمكن التعافي بلا هذا الملف”.
كل هذه المحاور تُعدّ استراتيجية، في نظر كنعان، و”هي خطة للنهوض، إذا أردنا بناء دولة”.
أين انتخاب الرئيس؟

عظيم، ولكن أي مرحلة ستسبق الأخرى: انتخاب رئيس أم إطلاق الحوار على هذه الملفات الاستراتيجية؟

يجيب كنعان: “أنا فصلت المرحلتين، ولا بد من انتخاب الرئيس وفق الآليات الواضحة، لأننا نخشى المماطلة أكثر. والاتفاق على هذه الملفات لا شك في أنه يساعدنا على إيجاد رؤية وخطة لبدء مشوار الإنقاذ. وإلا فما معنى انتخاب رئيس من دون أي رؤية سياسية أو اقتصادية أو مالية؟”.

ويتدارك: “لا يجوز الحوار لاختيار رئيس للجمهورية، لأن هذه المسألة لها آلياتها الدستورية والديموقراطية، ولا بد من أن تتم الآن، فيما الحوار يُفترض أن يكون حول خطة الإنقاذ ومشوار التعافي الذي لا يحتمل التأخير أيضاً”.

ويلفت الى أن “هذا الحوار كان يُفترض أن يتم قبل وقوع الفراغ الرئاسي، أي بعيد اندلاع الأزمة. أمّا وقد تأخر كل هذه الأعوام، فلا بد من إنهاء الفراغ الرئاسي أولاً تجنباً للمماطلة أكثر، والشروع فوراً بالحوار الاستراتيجي”.

عند كل مفترق طرق، تدور الدورة وتعود الإشكالية الى إطلاق مزيد من العناوين الحوارية، إذ بماذا يختلف هذا “الحوار الاستراتيجي” عما يُطرح مثلاً بين الحين والآخر، عن “مؤتمر تأسيسي”، ولا سيما من جانب “حزب الله”؟

“لا علاقة من قريب ولا من بعيد بين الطرحين”. يسارع كنعان الى القول: “المؤتمر التأسيسي يتطرّق الى أسس نظامنا، الى دستورنا، أي الى الطائف. وبالطبع، نحن لسنا معه. هذا دستورنا ونظامنا. لكن الحوار الاستراتيجي هو حوار حول ملفات داهمة وملحة، ولا بد من معالجتها إذا أردنا إنقاذ بلدنا، بعيداً عن أي شعبوية أو مزايدات”.

يا للأسف، لا تزال “ثقافة السلطة” هي الطاغية على “ثقافة الدولة”، حتى الأن، يعلّق كنعان: “حتى استخدام المحاور هو بهدف تغذية مصالحهم، ولا بد من الارتقاء الى بناء الدولة. هم يدخلون السلطة من منظار الاكتساب الشخصي والمنافع”.

والمضحك المبكي أنه لم يبق شيء في هذه الدولة كي يُسرق بعد!

:شارك الخبر