موسم الاصطياف مهدّد والقطاع السياحي مشتّت
كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن”:
تتأرجح توقعات الخبراء وأصحاب المؤسسات السياحية حول موسم الاصطياف المقبل بين متفائلين يعتبرون أن صيف لبنان سيكون مقبولاً ومليئاً بالمغتربين اللبنانيين على الاقل (على غرار ما حصل في عطلة عيدي الفصح والفطر الماضيين) اذا بقيت الاوضاع الامنية على حالها، اي حالة مواجهات أمنية في قرى الجنوب فقط، وبين من يعتبر أن الأوضاع الضبابية في لبنان والمنطقة قد تمنع حتى أبناء البلد من زيارة ذويهم في الأشهر المقبلة، وبالتالي التوقعات بصيف واعد مرتبط بالتطورات الامنية التي قد يشهدها لبنان وبتوقف الحرب في غزة.
من أفريقيا
يعزّز هذا الانقسام تنوع في آراء المغتربين أنفسهم حين يتم سؤالهم عما إذا كانوا سيزورون لبنان في الصيف المقبل. فبالنسبة لسوزان حمد المقيمة في نيجيريا «زيارة لبنان كل صيف مقدسة بالنسبة لها منذ 14 عاماً، كما تقول لـ»نداء الوطن»، مشيرة الى أن «شهري تموز وآب اللذين تقضيهما في ربوع لبنان وبين ذويها وأصدقائها، هما الواحة التي تمكّنها من تحمل الغربة على مدى أشهر السنة الباقية»، وتشدد على أنها «ولدت هي وزوجها خلال الحرب الاهلية وتعلم أن الاوضاع يمكن أن تكون آمنة في مناطق وحذرة في مناطق أخرى. وبالتالي يمكن أن تدبّر أمرها وفقاً لمنطق تجنب زيارة البلدات الساخنة في جنوب لبنان».
من أميركا
هذا الرأي الذي تتشارك فيه سوزان مع كثير من المغتربين اللبنانيين يعيشون في بلدان أفريقيا والخليج، ويختلف عن رأي عمر ش. الاميركي المولد والجنسية، إذ يشرح لـ»نداء الوطن» أنه «تمنى على زوجته اللبنانية الغاء زيارة ذويها هذا الصيف بسبب الأوضاع الأمنية، وتوصيات سفارة بلاده التي تحذرهم من زيارة لبنان في حال لم يكن هناك ضرورة لذلك، وبناء على هذه التوصية ستؤجل زوجته زيارة لبنان هذا الصيف».
حسب التطورات
على ضفة الخبراء هناك من يعتبر أنه لا حسم لتوقعات الموسم الصيفي المقبل في لبنان، فبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن»، «هذا الامر مرتبط بالاحداث الجارية في لبنان وفي الجنوب على وجه التحديد، وبالتالي توقفها خلال فترة قريبة سيغير المشهد السياحي في الصيف المقبل، وفي حال استمرارها سينعكس سلباً على الموسم ليس فقط لجهة عدم قدوم السياح الاجانب، بل ايضاً المغتربين اللبنانيين».
إنتظار وترقّب
يتوافق رأي عضو نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر دوري قزي مع كلام شمس الدين، إذ يقول لـ»نداء الوطن»: «وضع الصيف المقبل مرتبط بالوضع الامني الذي ستكون عليه في الايام والاسابيع المقبلة، في حال تغير الوضع سياسياً فالوضع السياحي سيتغير، أما اذا بقي الوضع على ما هو عليه فكيف يمكن التعويل على مجيء المغتربين الى لبنان؟ نحن اللبنانيين الموجودين في البلد نخاف السفر ونضع في الحسبان امكانية اقفال المطار في اي لحظة أو تطور؟».
يضيف: «خسر القطاع الفندقي 80 بالمئة من الحجوزات التي كانت منذ شهر 10 وحتى اليوم، الفنادق تعمل على نسبة إشغال ضئيلة جداً. في حال استتب الوضع الامني سيعاود القطاع السياحي حيويته. وعلى الصعيد الفندقي أيضاً، لأن لبنان موضع اهتمام من السائح الاردني والعراقي والسوري والمصري وحالياً يخافون المجيء بسبب الوضع الامني»، جازماً أنه «لا يمكن مقارنة وضع السياحة في لبنان وتركيا مثلاً، ففي منطقة فتحية التركية مثلاً نسبة اشغال الفنادق من الاجانب 90 بالمئة وهذا نحن محرومون منه حالياً».
متفائل
من جهة المتفائلين بموسم سياحي مقبول يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لـ»نداء الوطن» أنه «شخصياً يعوّل على مجيء المغتربين مهما كانت الاوضاع الامنية»، معتبراً أن « لمغترب اللبناني سيتجرأ على المجيء الى لبنان طالما المطار يسيّر اعماله بشكل عادي إذا بقيت المناوشات الامنية محدودة في مناطق معينة، وبقيت المناطق السياحية ولا سيما بيروت وقرى جبل لبنان وجبيل والبترون وكسروان بعيدة عن اي تطورات امنية كبيرة».
يضيف: «في حال حصول حرب كبيرة فهذا يغير كل المعطيات، لكن طالما أنه لا يوجد حرب كبيرة والامور مستقرة الى حد ما فالموسم الصيفي المقبل سيشهد اقبالاً. لأن العديد من اللبنانيين لم يأتوا الى لبنان في موسمي الاعياد الماضية (رأس السنة والميلاد والفصح والفطر)، خوفاً من الحرب التي كانت في بدايتها ولم تكن واضحة الامور الى اين ستتجه، وكانت نسبة الخوف أكبر وتمّ تقليص عمل حركة المطار ولم تكن معروفة اتجاهات المواجهات العسكرية في الجنوب وهناك لبنانيون تركوا البلد»، جازماً أن «الامور حالياً تحت السيطرة والحركة الدبلوماسية تتجه لتحسين الوضع، ولذلك يمكن التعويل على مجيء اولاد البلد. أما السائح الاوروبي والعربي فهو غالباً يأخذ بتحذيرات بلاده بينما اللبناني يحرص على رؤية اقربائه مهما كانت الاوضاع»…
في المقابل يشير البواب الى أن «خسائر القطاع السياحي كبيرة لا سيما في بداية الاحداث، والقطاع يُدخل تقريبا بين 5 و6 مليارات سنوياً على الاقتصاد اللبناني، وهذه الحرب أدت الى خسارة القطاع ما يقارب المليار ونصف (6 أشهر) حيث شهد لبنان نصف الحركة السياحية»، موضحاً أن «الاكثر تضرراً هم الفنادق ثم قطاع تأجير السيارات. بينما استطاعت المطاعم التكيف مع الازمة المستجدة، لأن يرتادها اللبناني المقيم والمغترب (عند زيارته الى لبنان) الذي غالباً ما يملك منزل وسيارة، بالاضافة الى أن موسم البحر المقبل يمكن أن يحرك الحركة في الفنادق التي تقع على الشاطئ».
ويختم: «في حال توقف الحرب ستنتعش الحركة السياحية بشكل كبير جداً، على غرار ما حصل بعد حرب 2006. لأن هناك عطشاً من قبل السائح العربي تجاه لبنان. وكل الاقتصاد اللبناني سينتعش اذا ما حصلت هدنة».
المغترب سيأتي
يقرأ رئيس لجنة السياحة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي وديع كنعان المشهد المتعلق بالقطاع السياحي من الزاوية نفسها التي يقرأها البواب، ويشرح لـ»نداء الوطن» أن «المغترب اللبناني سيزور لبنان كالمعتاد خلال الصيف المقبل وهذا ما تظهره المؤشرات الحالية، الا اذا حصل تطور أمني كبير وهذا أمر مستبعد. والدليل المغتربون الذين زاروا لبنان خلال عيدي الفطر والفصح الماضيين. صحيح أنهم أخذوا احتياطاتهم وسألوا عن الوضع قبل المجيء الا أن القرار بالمجيء الى لبنان موجود».
يضيف: «كل الامر متعلق بالوضع الامني ولا يزال لدينا الوقت قبل حلول فصل الصيف. برأيي بمجرد ان تنتهي الحرب سيكون هناك انتعاش بالقطاع السياحي في لبنان، والقرار السياسي له دور حاسم في عودة السائح الخليجي الى لبنان»، لافتاً الى أن «السائح العربي الآخر (اي العراقي والاردني والمصري) سيأتي الى لبنان سريعاً، بمجرد أن تهدأ الاوضاع، وهم أصلاً ورغم الظروف لا يزالون يزورون لبنان. فقبل الـ2011 كان يدخل الى لبنان 290 ألفاً بينما في المرحلة الاخيرة كان عددهم لا يزيد عن 70 ألفاً. السائح الاردني يحب لبنان ويتأقلم مع ظروفه ولن يتراجع الا اذا كان هناك خطر كبير، ونأمل من الآن وحتى موعد الموسم الصيفي أن تستتب الأمور الامنية بشكل أفضل».
يشير كنعان الى أنه «لا أرقام حول مدخول القطاع السياحي في الموسم المقبل، لأن الأمور ستتغير بحسب الوضع الامني، ونحن نعلم أن الموسم في الصيف للفنادق قصير جداً. وخلال العام الحالي كان الوضع ضعيف جداً. نجد ان عدداً كبيراً من الفنادق اليوم مقفل، حتى الفنادق 5 نجوم في بيروت وفي جونية اغلبيتها مقفلة»، لافتاً في المقابل الى أنه «اسبوعياً هناك مطاعم جديدة تفتح أبوابها، وهذا يعني ان القطاع السياحي يتكل بشكل مضطرد على السياحة الداخلية أكثر من الاغتراب. وهناك عدد لا يستهان به من اللبنانيين يقومون بسياحة داخلية (كانوا يسافرون الى الخارج)، وبالتالي صرف الاموال بات داخل البلد. ويتزامن هذا السلوك الجديد مع افتتاح مؤسسات سياحية جديدة سنوياً مثل بيوت ضيافة ومطاعم وفنادق في قرى نائية، وجميعها باتت مقصداً سياحياً عالمياً وعربياً ( البترون مثلا)، وبات اللبناني يستثمر في هذه القطاعات بدلاً من ان يتكل على وضع امواله في المصارف وتقاضي فوائد عالية على غرار ما كان يحصل قبل الازمة».
ويختم: «هذا يعني ان الازمة لها وجه ايجابي يتمثل في تحفيز اللبنانيين على الاستثمار في مشاريع للسياحة، وبات اللبناني يتشجع على القيام بذلك لأن هناك معالم سياحية داخلية يمكن الاستثمار فيها».
على أمل
على أرض الواقع يشرح أمين عام اتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي لـ»نداء الوطن» أن «المؤسسات السياحية أي المطاعم والمسابح تجهّز نفسها لاستقبال الموسم القادم على قدم وساق على غرار المواسم السابقة، على أمل أن يكون هناك موسم سياحي هذا الصيف ويتغير الوضع الامني ولا نشهد تطورات سلبية في جنوب لبنان».
يضيف: «القطاع الفندقي خسائره مهولة الى حد اليوم، ولا نعرف اذا استمر الوضع على هذا النحو من يستطيع الصمود حتى نهاية الصيف. السياحة الداخلية لا تزال ناشطة الى حد ما وستظل على هذا النحو اذا لم يحصل تصعيد عسكري أكبر مما نشهده اليوم. أما السياحة الخارجية تجاه لبنان فهي مصيبة كبيرة ومأساة».
يضيف: «السياحة الداخلية ومجيء المغتربين خلال الصيف ستغطي خسائر المطاعم، لكنها لن تستطيع تغطية خسائر القطاع الفندقي أو قطاع تأخير السيارات او الادلة السياحيين أو الشقق المفروشة»، جازماً أنه «في حال استمر الوضع على ما هو عليه فان موسم الصيف القادم هو لأهل البلد فقط من الدول العربية وأفريقيا، اما السياحة باتجاه لبنان لا يمكن أن تعود إلا إذا تحسن الوضع الامني».