كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
ينكبُّ لبنان على تفنيد المبادرة الفرنسية المنقّحة التي وصلت إلى عين التينة والسراي أمس الأوّل بعد مغادرة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بيروت بيوم واحد، ودراسة محتويات بنودها، تمهيدًا لإعداد ردّ منسق ومكتوب من منطلق المصلحة اللبنانية وبما يتوافق مع ما يجري من تطوّرات وأحداث في المنطقة.
ومما لا شك فيه أنّ ما يمكن أن تتلقّاه وزارة الخارجية الفرنسية من ردّ لبناني على هذه المبادرة، قد سمع الوزير سيجورنيه جوانب منه خلال لقاءاته مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي اللذين كان ردّهما منسّقاً وموحّداً حيال الأفكار التي طرحها. ومن هنا يتوقع أن تنشط الاتصالات اللبنانية – الفرنسية بعيداً عن الأنظار لمعالجة ما يمكن أن يوضع من ملاحظات قبل أن يصبح الرد اللبناني رسمياً، خصوصا لجهة الوضع في الجنوب وما يتعلق بآلية تنفيذ القرار 1701، لأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على ما يبدو حصر مهمة وزير خارجيته الثانية الى بيروت بالوضع في الجنوب، تاركاً ملف انتخاب رئيس للجمهورية في عهدة رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق جان إيف لودريان الذي يتحرك خلف الستارة بالتنسيق مع اللجنة الخماسية.
ووفق المعلومات فإن الردّ اللبناني سيُعدّ بعناية فائقة بشكل لا يغضب الدولة الفرنسية التي ما تزال تضع الملف اللبناني في صلب أولوياتها وتعمل على تجنيب لبنان الحرب الواسعة، وفي نفس الوقت لا يأتي هذا الرد على حساب سيادة لبنان ومصلحته، بل من منطلق القرار الأممي 1701 الذي يتمسّك لبنان بتنفيذه الى آخر نفس.
وإذا كان من المتوقع أن يعود الرئيسين بري وميقاتي إلى عقد لقاء والبحث في المبادرة الفرنسية بنسختها المنقحة واعداد رد موحّد ومنسّق مع وزارة الخارجية، فإن المعطيات المتوافرة لا تفيد بإمكانية أن يأخذ لبنان بكامل بنود المبادرة والموافقة عليها في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان وغزة، وقد أعطى أحد نواب «حزب الله» إشارات واضحة حول العقبات التي تعترض طريق المبادرة الفرنسية بقوله أن «أي مبادرة خارجية تجاه لبنان هدفها إراحة حكومة نتنياهو لتركّز كل جهدها على غزة، هي مبادرة محكوم عليها بالفشل، فالبحث عن الحل لا يكون بمعالجة النتائج، بل معالجة الأسباب التي أدّت إلى هذه النتائج، وما يحصل على جبهتنا الجنوبية من مساندة لغزة، له سبب رئيسي، وهو العدوان الإسرائيلي على غزة، وسبب آخر هو منع العدوان على بلدنا، ولذلك من يريد إيجاد الحلول، عليه أن يذهب بالدرجة الأولى إلى الكيان الصهيوني ويمارس الضغط عليه كي يوقف هذه المذبحة في غزة، وأما كيف يكون عليه الجنوب بعد وقف العدوان، فهذا ما يقرره الشعب اللبناني ودولته ضمن قواعد الحماية للجنوب، ومن ضمنها معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وأيضا عدم المس بسيادتنا الوطنية».
هذا الموقف لـ”حزب الله” والذي هو نفسه الذي وصل الى الدوائر الفرنسية مع الزيارة الأولى للوزير سيجورنيه يؤشر الى ان طريق المبادرة سيكون مسدوداً طالما الحرب مستمرة على غزة، وفي حال تم التوصل الى هدنة دائمة، فيصبح بالإمكان تعديل الموقف منها والعمل على ترجمتها بما يتناسب والواقع الجديد، كون ان الاقتراحات الفرنسية هي نفسها التي طرحت في المبادرة الأولى إنما هذه المرة كانت تحتوي على بعض التعديلات التي أخذت بعين الاعتبار الملاحظات اللبنانية التي أبديت آنذاك، وكذلك الملاحظات التي قالها الرئيس نجيب ميقاتي امام الرئيس الفرنسي خلال اللقاء الذي جمعهما في باريس الأسبوع الماضي، حيث تركّز البحث في البند الأساسي في المبادرة وهو تهدئة التصعيد ووقف القتال بين «حزب الله» وإسرائيل، الى جانب العمل على تعزيز انتشار الجيش اللبناني عل الحدود بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» العاملة هناك.
وفي هذا يؤكد مصدر وزاري في معرض إبداء الرأي بالمبادرة الفرنسية والتحرك الذي يقوم به آموس هوكشتاين انه على المجتمع الدولي العمل على وقف الحرب على غزة، وبعدها يتم الانتقال الى لبنان الذي سيكون قراره ضمن إطار الحفاظ على مصلحة لبنان العليا، وبما يحمي السيادة.
وفي رأي المصدر أن جُلّ ما تعمل عليه فرنسا هو محاولة فصل المسار اللبناني عن ما يجري في غزة وهي محاولة تصطدم بجدار إسمنتي سميك، وهو ما يعني بأن المبادرة الفرنسية في ظل الوضع الراهن في المنطقة لن يكتب لها النجاح.