“الهنود الحمر” في لبنان!

لبنان مايو 8, 2024

كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:

ملعونون نحن، لكأن الحظ يرتاب من هذه الأرض وأهلها، فلا يسكنها ولا يطأ عتبتها، أو لربما بعضنا “هشّله”. فما حصل ويحصل ليس صدفة بالتأكيد؛ أن لا نهنأ بالعيش لا في الحرب ولا في ما يُفترض ان يكون سلمًا.

لم يشهد تاريخنا القديم ولا الحديث فتراتٍ هانئة هادئة، وما المكتوب في كتب التاريخ إلا جولة واحدة من مرّ ذقناه مرارا واختلفنا على كتابته مرات، فحاربنا البعيد والقريب، حاربنا الأعداء كما الضيوف “الثقيلين”… حتى هؤلاء نكّلوا بنا وقتلوا خيرة شبابنا، وافترشوا المخيّمات غصبًا عنا.

دخلَ شعب لبنان الجحيم ألف مرّة ومرّة، حتى تعبت الأرض من رائحة الدم والظلم. ظننا أنه مع حلول الاستقلال الثاني سنرتاح، فكان استقلال بالمفهوم العسكري فقط، وبقينا في احتلال من نوع آخر، وهو ذاك الاحتلال الأصعب الذي يأتي من داخل الحدود، لينغّص علينا كل أحلام الحرية والازدهار.
عُدنا مجددا إلى “علقة” لا تشبه سواها حيث “لا حَوْلَ ولا قوّة”، نرى الفسادَ يستشري، والوزارات تُنهب، والإدارات دكادين، والفراغ يتمدّد في مؤسساتنا كالمرض الخبيث، لا سبيل إلى استئصاله، ولا قدرة على محاربته.

سُرق شعبنا في أكبر عملية نهبٍ يتعرض لها شعب بكامله… اغتيل قياديّون ومفكّرون وأصحاب الأقلام الحرّة، إنفجرت العاصمة بأهلها، قُتل المئات ومات معهم الآلاف… لم يتركوا وسيلةً لتعذيبنا إلا واستعملوها، متنا “ألف موتة” لنحصل على الدواء والخبز ونملأ خزان وقود السيارة… همّنا يتغيّر يوميا، مع تضاعف الازمات، واليوم مصائبنا باتت لا تُحصى، وانضم إليها كابوس اللاجئين السوريين.

كل ما حصل ويحصل، سببه الاول الفراغ، ليس على مستوى المؤسسات فقط، إنما على مستوى البشر الممسكين بمصيرنا. فالفراغ ليس كراسٍ فارغة فقط، إنما رؤوس فارغة وما أكثرها على مستوى “المسؤولين غير السئلانين”…

ما يحصلُ معنا شبيه إلى حدّ ما بما حلّ بسكان أميركا الأصليين، او ما يُعرف بـ”الهنود الحمر”، هم أيضا عاشوا مآسٍ لا تنتهي. قاوَموا بدايةً الاستيطانَ الاوروبي فحاربوا الفرنسيين والبريطانيين والإسبان، وخاضوا جولات وجولات ضد الوافدين الاوروبيين… وبعد إعلان قيام الولايات المتحدة عام 1776، واصلوا كفاحهم ضد السلطة المستجدة على أرضهم، فنفّذت الحكومات الاميركية المتعاقبة حملات إبادة ضد السكان الأصليين فدمّرت مزروعاتهم وشتّتتهم، حتى هجّرتهم من المناطق الخصبة إلى أخرى قاحلة غير صالحة للعيش.

قصّتهم تشبه إلى ما حدّ ما، ما عايشناه حتى اليوم من محاولات للإبعاد وطمس الهوية والتيئيس… معركتنا نحن أيضا صعبة، ولا بدّ أن المتفرّجين وبعض اللاعبين يتمنّون لنا النهاية نفسها، فنكون “الهنود الحمر” لهذه البلاد.

:شارك الخبر