إقفال محال السوريين.. موجة عابرة أم تشدد أمني؟
كتبت بولين فاضي في “الانباء الكويتية”:
على مر التاريخ، احتاج لبنان جارته الاقرب سورية لمده باليد العاملة في قطاعي الزراعة والبناء، وسط قول «ان البنية الجسدية للسوري تعينه على تحمل قساوة هذه الأعمال، أما اللبناني، فلا يريدها ولا يتحملها».
وإذا كان نظام الكفالة اللبناني في قانون العمل يوفر للكثير من السوريين الغطاء القانوني لوجودهم في لبنان وعملهم كمزارعين أو في ورش البناء وحتى في المحال التجارية، فإن ثمة أعدادا هائلة منهم لا تستوفي شروط النزوح ولا القوانين اللبنانية.
وقد عمد هؤلاء في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد العام 2015 إلى استئجار محال تجارية، كمحال بيع مأكولات وخضار ومحال خياطة وتصليح سيارات وصالونات حلاقة للرجال، من دون حيازة التراخيص اللازمة من أوراق قانونية وإيجار مسجل في البلدية والحصول على إقامة وإجازة عمل من وزارة العمل.
وبحسب ما يقول الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ«الأنباء»، فإن «النازحين السوريين لا يريدون العودة إلى سورية لا لدواع أمنية وإنما لدواع اقتصادية، خصوصا في ظل واقع الليرة السورية وتدني قيمتها وبلوغ الحد الادنى للأجور في سورية 280 الف ليرة، أي ما يعادل 20 دولارا، وهي تساوي تقريبا «يومية» العامل منهم في لبنان. وهذا ما يشرع الباب أمام المزيد من النازحين الذين يختنق بهم لبنان، وتختنق بدراجاتهم بشكل خاص طرقات بيروت».
ويقول الباحث شمس الدين إن «مقاربة الحكومة اللبنانية لموضوع النزوح غير صحيحة، لأن المسألة ليست مسألة نازح قبل العام 2019 أو بعده، أو مسألة نازح دخل بطريقة غير شرعية وآخر بطريقة شرعية، بل المقاربة يجب أن تكون وفق قاعدة هذا سوري يحتاج إليه الاقتصاد اللبناني وذاك لا يحتاج إليه».
وفي إطار شرح فكرته، يقول شمس الدين: «مثلا نازح من دير الزور تهدم منزله ودخل لبنان في العام 2013 بطريقة شرعية ومقيم شرعي ويعمل في النقل أو قص الشعر أو في المطعم، هو في هذه الحال يشكل منافسة لليد العاملة اللبنانية ويجب أن يرحل. في المقابل، هناك سوري دخل إلى لبنان قبل شهرين بطريقة غير شرعية وهو من دمشق وأجر منزله هناك، وهو يعمل في صيانة المولدات الكهربائية ونحن نحتاج إليه لأن في لبنان نحو 10آلاف مولد كهربائي واليد العاملة اللبنانية لا تكفي، وهنا يمكن تسوية وضعه فتكون المقاربة اقتصادية».
وبالسؤال عن العدد الفعلي للنازحين السوريين في لبنان، يقول شمس الدين إنه «لا يزال غير محصى رسميا حتى اليوم، لأن المسؤولين المعنيين في الدولة اللبنانية، متقاعسون منذ 12 سنة عن القيام بإحصاء رسمي لتبيان عدد السوريين وأماكن وجودهم ومواصفاتهم وخصائصهم، علما أن تقديم هذه الداتا من مسؤولية الدولة لا من مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أو الـ UNHCR».
وبعد فوضى النازحين السوريين في لبنان في السنوات الأخيرة، وعدم تشدد الأجهزة الأمنية اللبنانية في التعامل معها، لوحظ في الأيام الأخيرة وعلى وقع الحالة الاعتراضية على هبة المليار يورو الأوروبية والخشية من توطين دولي مقنع للسوريين في لبنان، قيام دوريات من الأمن العام اللبناني مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبناء على إشارات قضائية من النيابات العامة الاستئنافية في المحافظات اللبنانية، بإقفال عدد من المحال التجارية التي يديرها سوريون.
إقفال بالشمع الأحمر وإحالة المخالفين على القضاء المختص. وبلغ عدد المحال حتى اليوم نحو 530 محلا مع استمرار لهذه الحملة في المقبل من الأيام.
وفي هذا الإطار، يؤكد الباحث شمس الدين أن «المشكلة تكمن في عدم تطبيق القانون بحق النازحين السوريين». وسأل: «ماذا يمنع الشرطي اللبناني من توقيف دراجة نارية على متنها 5 او 6 أفراد سوريين والدراجة غير مسجلة، ولماذا اذا امتنع اللبناني عن دفع فاتورة الكهرباء تقطع عنه، واذا لم يدفع السوري لا تقطع عنه؟».
وفي مقابل أصحاب النظرة الإيجابية إلى جدية هذه الحملة الرسمية القائمة لضبط السوريين غير الشرعيين واتجاهها إلى المزيد من التشدد على قاعدة «إلى الأمام سر»، ثمة نظرة غير متفائلة لدى البعض الآخر القائل إن ما يجري في ملف النزوج لا يعدو كونه «موجة عابرة» ستنتهي مفاعيلها بانتهاء مؤتمر بروكسل، فتمر غيمة صيف النزوح و«يصيف» اللبنانيون والنازحون السوريون في لبنان، ومعهم بالطبع بعض المغتربين الوافدين تحت الشعار السياحي اللبناني الشهير «أهلا بهالطلة أهلا».