مقاربة فرنسا الجديدة
كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
حطّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت وباشر لقاءاته مع الفرقاء اللبنانيين، وليس في ذهنه، ولا في ذهن سائر المسؤولين الفرنسيين، أو في حسابات شركائه الأميركيين والسعوديين والمصريين والقطريين في «الخماسية»، أي أوهام حول إمكانية إحداث اختراق في مسار ملء الفراغ الرئاسي في البلد بعد 9 أشهر من المحاولات التي بذلتها باريس لإخراج الرئاسة اللبنانية من عنق الزجاجة.
مقاربة فرنسا للتحرّك الذي تقوم به في لبنان اختلفت إلى حدّ ما عن الأشهر الماضية، التي كانت نتيجتها مزيجاً من الخيبة والفشل والحماس لإنجاح مبادرة رئيسها إيمانويل ماكرون منذ عام 2020 بانتشال لبنان من القعر الذي بلغه، إمّا بسبب صعوبة تليين مواقف محلية وصولاً إلى تسوية، أو بفعل ظروف إقليمية غير مؤاتية لحماس ماكرون لتسريع الحلول الاقتصادية، السياسية بالاستناد إلى تعطش اللبنانيين العاديين لإخراجهم من «جهنم».
تبيّن أنّ الاتكال الفرنسي على نقمة اللبنانيين ضد معظم قادتهم السياسيين، الذين رجمهم ماكرون أكثر من مرة، لا يتطابق مع ازدراء معظم هؤلاء القادة مشاعر مواطنيهم وغضبهم مما سبّبته ممارساتهم من تدهور في معيشتهم، ومن تفكّك في دولتهم… وربما استسهل الجانب الفرنسي إمكانية التأثير على القوى الإقليمية التي يمكنها أن تسهّل المخارج من المأزق اللبناني، ولا سيّما إيران و»حزب الله». سوء الحسابات الفرنسية جاء من عدم تقدير مدى ربط «الحزب» مسألة الرئاسة في لبنان بالوضع الإقليمي إلى درجة أنّ طهران لم تكترث لمبادلة الدولة الفرنسية تميّزها من سائر القوى الدولية بالحفاظ على خطوط التواصل والحوار مع القيادة الإيرانية، ومع ذراعها اللبنانية، بشيء من الليونة إزاء الحلول المطلوبة للمأزق اللبناني. همّ طهران ليس إرضاء فرنسا، بل تحصين نفوذها الإقليمي في دول عدة، ولبنان جزء رئيس منها، في المواجهة مع أميركا أو في التفاوض معها. وأهمية ذلك بالنسبة إلى إيران تفوق الأهمية التي توليها فرنسا لانتخاب رئيس يطلق الحلول لأزمة لبنان الاقتصادية المالية الخانقة.
في توضيح المقاربة الجديدة لمهمة لودريان يقول مصدر دبلوماسي فرنسي إن زيارته الثانية إلى بيروت تتم وفق الأهداف والأسس والقناعات الآتية:
– أنه سيطلع القادة ورؤساء الكتل النيابية والرموز الأساسية على نتائج اجتماع الدول الخمس في الدوحة في 17 تموز، وعلى فحوى المداولات التي جرت لكافة العناوين التي طرحت حول المأزق اللبناني.
– أن باريس مدركة تماماً وواعية للحقيقة القائلة إن القرار في شأن معالجة الأزمة اللبنانية ليس لفرنسا وحدها ولذلك تنسّق مع سائر الدول المعنية بلبنان ولا سيّما المنضوية في «الخماسية». والدور الفرنسي يقوم على اقتراح الأفكار ورفع درجة الاهتمام بلبنان، وتصويب بعض التوجّهات الخارجية وطرح المبادرات بناء لقدرتها على التواصل مع سائر الفرقاء اللبنانيين من دون استثناء. فبإمكان لودريان وسائر الدبلوماسيين الفرنسيين الاجتماع مع «حزب الله» وفي اليوم نفسه لقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» من دون أي حرج.
– باريس تتجنّب الظهور بمظهر من يريد السيطرة على القرار السياسي اللبناني فضلاً عن أنّ الأرضية اللبنانية التي تتحرك فيها ليست من النوع الذي يسمح بالسيطرة على القرار السياسي اللبناني. وما ساء المسؤولين فيها في المرحلة القريبة الماضية هو اتهامها من قبل فرقاء عديدين بهذه النية. والمساعدات التي تقدّمها لأسباب إنسانية للشعب اللبناني هي لتسهيل حياة اللبنانيين في ظلّ انسداد الحلول للأزمة السياسية الاقتصادية التي يمرّون بها. وهذا ما يفسّر خطاب السفيرة الفرنسية آن غريو في ذكرى العيد الوطني في 14 تموز الذي ذكّر بمساعدات فرنسا التي «لم تستسلم» في حشد الجهود لمصلحة لبنان، وبما كان يمكن للوضع أن يكون عليه لولا ذلك في مجالات الأمن ودعم الليرة والمدارس والمستوصفات وحرية التعبير…
– أنّ الدعوة إلى طاولة الحوار بين الفرقاء كان يمكن أن تتم لو أنّ هناك وضعاً أمنياً صعباً، مثلما كانت هي الحال قبل اتفاق الطائف ثم قبل اتفاق الدوحة. ونوقش الأمر في اجتماع الدوحة بالتفصيل، وهل ينتهي لاتفاق مكتوب ينطلق الفرقاء نحو تنفيذ بنوده فوراً، وما هي ضمانات تنفيذ البنود… لكنّ المجتمعين انتهوا إلى استنتاج بأن لا جدوى من الدعوة إلى حوار يمكن أن ينتهي إلى فشل.
في اعتقاد المصدر الدبلوماسي أنّه في ظل غياب بديل عن هذا الحوار، لأن الدول الخمس لم تتفق على الصيغة البديلة، يستطلع لودريان ما يمكن القيام به من أجل تقريب وجهات النظر، مع التأكيد بأنه سيكون له دور في تنسيق المساعدات للبنان، وسيستفسر من القادة اللبنانيين عمّا ينوونه حيال حاكمية مصرف لبنان مع انتهاء ولاية رياض سلامة، من باب الاهتمام الدولي بحد أدنى من الإدارة السليمة للوضعين النقدي والمالي.