القطاع الاستشفائي مستعدّ لحرب… قصيرة
كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
قبل ثلاثة أيام، عاش القطاع الصحي الاستشفائي «بروفا» الحرب بعد العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية. لم تجد المستشفيات التي آوت الجرحى صعوبة في المواجهة، وتمكّنت من استيعاب الإصابات التي نتجت عن العدوان وناهزت المئة. لكن، ماذا لو اندلعت الحرب؟ ما الذي سيكون عليه الوضع في القطاع الصحي؟تعتمد مواجهة أيّ حرب مقبلة «على مدى قوتها وطول أمدها». هكذا، يحسم نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون طبيعة المواجهة في المؤسسات الاستشفائية، مضيفاً أنه «طالما أن لا قصف للمستشفيات، فعلى المدى القصير نحن قادرون على الصمود». وهو يستند في هذه التقديرات إلى المخزون الذي كوّنته غالبية المستشفيات لناحية الدواء و«ما نعرف أنه موجود لدى المستوردين، وتحديداً كمستلزمات طبية، إذ إن معلوماتنا تؤكد أن المخزون لدى هؤلاء يكفي بين شهرين ونصف شهر وثلاثة أشهر». أما بالنسبة إلى الفيول والأوكسيجين فلا يمكن تخزينها في المستشفيات لأكثر من أسبوعين، لذلك، فإن التعويل هو على إمداد الشركات للمستشفيات بهذه المواد في الوقت اللازم، وعلى السلطة السياسية ضمان إدخال ما تحتاج إليه المستشفيات من مستلزمات طبية وفيول وأوكسيجين وأدوية وغيرها.
«لا أزمة في المخزون» وفق تأكيد نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات، جو غريّب. فمنذ إلغاء الدعم عن الدواء «تكوّن مخزون استراتيجي يكفي بين ثلاثة وستّة أشهر». وأوضح أن المخزون الأعلى هو من «الأدوية التي نحتاج إليها خلال الحرب بسبب رخص ثمنها، إذ يوجد منها ما يسدّ الحاجة لخمسة أشهر تقريباً». كما أعلن وزير الصحة العامة فراس أبيض، في مؤتمر صحافي أمس، أن الوزارة وزّعت على المستشفيات والمخازن خلال الأشهر الماضية ما يفوق 100 طن من المستلزمات والأدوية، مع إعطاء أفضلية لمستشفيات المناطق الحدودية، مؤكداً أن «لدينا من الأدوية والمستلزمات ما يكفي لأربعة أشهر».
مع ذلك، هناك خوف إذا ما وقعت الحرب من أمرين أساسيين، بحسب غريّب، أولهما أدوية الأمراض المزمنة، وثانيهما ما يمكن أن يحدث لسلسلة الاستيراد في حال عُطّلت المرافق البحرية والجوية، ما يؤثر على استمرارية تأمين الأدوية إذا طال أمد الحرب. لذلك، عمدت نقابة المستوردين إلى العمل على حلول بديلة، منها ما بات جاهزاً «ويتضمن الحصول على أذون استيراد استثنائية وطارئة، ولهذه الغاية عقدنا اتفاقات مع شركات لوجستية في قبرص والإمارات لضمان استمرارية تأمين الدواء، بحيث تكون تلك محطات لتجميع الأدوية في مكان واحد groupage ومن ثم نقلها كلها إلى لبنان».
ما يشغل البال في القطاع الاستشفائي هو النقص في عدد «أطباء الحرب»
أطباء الحروب: نقص وطفرة
صحيح أن مخزون الأدوية والمستلزمات لا يشكّل عائقاً على الأقل على المدى القصير، إلا أن ما يشغل البال في القطاع الاستشفائي هو «أطباء الحرب». فرغم تحسّن الحال في القطاع الطبي، مع عودة عدد لا بأس به من الأطباء، إلا أن ذلك لم ينعكس تحسناً في مجمل الاختصاصات، حيث لا يزال النقص في الاختصاصات الدقيقة، ما يُعدّ أمراً مقلقاً في الحرب. وفي هذا السياق، تبرز بعض أرقام نقابة الأطباء في بيروت مكامن النقص. فعلى سبيل المثال، يبلغ مجمل أعداد أطباء الطوارئ المسجلين في النقابة 81 طبيباً، مقابل 49 جراحاً للشرايين. وهو ما يؤكده هارون، مشيراً إلى النقص الحاصل في الاختصاصات الدقيقة وتحديداً جراحة الشرايين والدماغ، حيث يكبر الطلب عليهم في الحرب ولذلك «سنكون مجبرين على توزيعهم في أكثر من مكان وأطباء الطوارئ، حيث يمكن الاستعانة بأطباء الجراحة العامة». أما في باقي الاختصاصات، فيشير هارون إلى أنه «ماشي الحال»، حيث مثلاً تشهد بعض الاختصاصات استقراراً وربما انتعاشاً في الأرقام، منها أطباء العظام المسجلون لدى النقابة والذين يبلغ عددهم 497 طبيباً و281 جراحاً عاماً.
مع ذلك، لا يمكن احتساب كل من هو مسجل على أنه حاضر، إذ ثمة هامش يُقدر بـ20% يمكن بسهولة حذفه من تلك الأرقام، لأسباب مختلفة منها الهجرة وعدم الممارسة.
الاستفادة من تجربة تموز بالسلف؟
قد لا يشبه السيناريو الآتي ما كانت عليه الأوضاع في حرب 2006، لناحيتين، أولاهما التغيّرات في البلدان المحيطة، خصوصاً سوريا التي يخنقها الحصار ولم يعد بإمكان لبنان الاعتماد عليها للتخفيف من آثار الحرب، وثانيتهما الأزمة الاقتصادية التي أنهكت القطاع الصحي. ولذلك، فإن أيّ مواجهة مقبلة محتملة يفترض أن تأخذ في الحسابات تلك التقييمات.
مع ذلك، يمكن استعادة تجربة الحرب السابقة للاستفادة. وفي هذا السياق، يشير وزير الصحة آنذاك محمد جواد خليفة إلى أن الخروج من الحرب المحتملة بأقل الخسائر الممكنة في القطاع الصحي يعتمد على ثلاث خطوات أساسية: تأمين مخزون من المستلزمات الطبية والأدوية من جهة وتأمين خريطة توزيع لتلك الموارد على المؤسسات الاستشفائية بشكل يراعي الحاجة وظروف الحرب، آخذين في الاعتبار تقطّع الطرقات وقصف الجسور وتعطّل الحركة، وتوزيع المصابين بحسب خطورة حالاتهم وإمكانات كل مستشفى. كذلك دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بإسعاف الجرحى والمصابين. وثالث الأمور وأهمها وجود خطة طوارئ للطاقة وحجز كميات من الفيول للحفاظ على طاقة كافية لسير عمل المستشفيات. وبالتوازي، يفترض الأخذ في الاعتبار الطبابة العادية، مع «تشحيل» الحالات الباردة التي تحتمل تأجيلاً.
غير أن هذه الخطوات دونها عقبات أهمها المادية. من هنا، يشير خليفة إلى أنه يمكن استعادة تجربة تموز من خلال «تأمين دعم مادي للمستشفيات عبر إعطائها سلفاً مالية تشتري بها مستلزمات وأدوية، على أن تسددها بعد الحرب».
واستناداً إلى تجربة تموز، اتخذت الحكومة الحالية أول قراراتها في المواجهة، فأجازت لوزير الصحة، عقد «اتفاقات بالتراضي لشراء أدوية وتأمين المازوت وما يراه ضرورياً لضمان توفّر المستلزمات الطبية في حال نشوب حرب».
وحتى تطبيق ذلك، تبقى العلاقة بين المستشفيات ومستوردي المستلزمات الطبية في الوقت الحالي محكومة بـ«الكاش»، إذ لا تسليم للبضاعة قبل تسلّم ثمنها، وهو ما دفع عدداً من المستشفيات إلى التخلي عن أنواع جراحات منها مثلاً «جراحة العظم، حيث عملت بعض المستشفيات على إلغاء تلك العمليات لأنه ليس بمقدورها دفع ثمن المستلزمات فوراً وليس بمقدور أهل المريض شراؤها، لذا كان أسهل الطرق التخلي عنها»، يقول أحد الأطباء.