الياس عودة: الكنيسة لا تسكت عن الظلم… دعوتنا اليوم لخدمة الوطن بحب وتفانٍ
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة، قداسا في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل قال في عظته: “سمعنا في الرسالة التي تليت على مسامعنا اليوم كلاما ربما لا يقبل بسهولة، خصوصا في بلدنا، لكنه يعبر عن رسالة الكنيسة الحقيقية. يطلب الرسول بولس «أن تقام تضرعات وصلوات وتوسلات وتشكرات من أجل جميع الناس، من أجل الملوك وكل ذي منصب لنقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى وعفاف». لقد أطاعت كنيستنا المقدسة هذه الوصية، لذلك وضعت ضمن طلباتها طلبة من أجل الحكام «ومؤازرتهم في كل عمل صالح»، لأنهم إذا كانوا صالحين، وفعلوا الصالحات، يصبح العالم فردوسا أرضيا وتذوقا مسبقا للملكوت السماوي. في قداس القديس باسيليوس نجد أيضا صلوات مطولة من أجل الحكام ومعاونيهم، كما أننا نسمع في بداية صلاة السحر، بترتيبها القديم، الذي لا نزال محافظين عليه في الأسبوع العظيم، مزمورين من أجل خلاص الملك (أو الحاكم). كما نذكر حكامنا قتئلين: «أعضد بقدرتك حكامنا وهبهم سلاما وطيدا لا ينتزع».
أضاف: “يكشف الرسول بولس في رسالة اليوم عن رسالة الكنيسة على مستوى كل أعضائها. فهي ليست مؤسسة عالمية تنافس العالم في ما له، لكنها أولا، وقبل كل شيء، جماعة تصلي لله من أجل تقديس العالم، مقدمة «الطلبات والصلوات والإبتهالات والتشكرات» عن جميع الناس. يشرح القديس يوحنا الذهبي الفم هذا النص بأنه دعوة لعمل كنسي مملوء محبة للجميع، فيرفع الكاهن مع الشعب الدعاء من أجل البشرية جمعاء، حتى الوثنيين، ويقول: «الكاهن أب كما لو كان للعالم كله، لذا يليق به الإهتمام بالجميع كالله الذي يخدمه… هذا يؤدي إلى منفعتين: الأولى نزع الكراهية تجاه من هم من الخارج، إذ لا يقدر أحد أن يشعر بالكراهية نحو من يصلي من أجله. والثانية أن هؤلاء أنفسهم يصبحون أفضل حالا بفعل الصلوات المرفوعة من أجلهم، فيتخلون عن عدائيتهم التي يصوبونها ضدنا، فإنه ليس شيء يجتذب البشر إلى التعلم مثل المحبة المتبادلة”.
وتابع: “هناك عدة أنواع من الحروب، لكن المجدية بينها هي حرب الإنسان الداخلية التي تنشأ بسبب الكراهية والحقد والغضب والكبرياء والحسد. لذلك، فإن صلواتنا وطلباتنا من أجل جميع الناس، وطاعتنا الصادقة للمسؤولين الذين لم يكن لهم سلطان إلا بسماح من الله، تعطي سلاما للقلب والنفس، فنكون بذلك أبناء حقيقيين ل «رئيس السلام»، كما ندعو ربنا في صلواتنا. منذ نشأتها، وطيلة تاريخها، ما انفكت الكنيسة تشجع على المواطنة الصالحة. الكنيسة تنشىء أبناءها على الإخلاص لأوطانهم وخدمتها واحترام قوانينها وتطبيقها، وعلى احترام مواطنيهم. لكن الكنيسة لا تسكت عن الظلم ولا تغطي الجريمة، ولا تمالىء الحاكم إن ضل أو ظلم أو أخطأ لأن هذا من صلب رسالتها الشاهدة للحق. الكنيسة تعمل من أجل أن يتحقق ملكوت الله على الأرض ويحل السلام فيها. «ليأت ملكوتك…كما في السماء كذلك على الأرض» هذا ما نقوله في الصلاة الربانية. لذا، ما تسعى إليه الكنيسة ليس إخضاع الدولة لسلطانها بل حث السلطات الزمنية على العمل وفقا للمشيئة الإلهية الداعية إلى المحبة والعدل والخير والسلام والإستقامة والمساواة والإحتضان وحسن الرعاية. ينبغي على الدولة في مفهوم الكنيسة أن تكون خاضعة لله، عاملة بوصاياه لا بأية وصايا أخرى”.
وقال: “إن علاقتنا مع الآخرين يجب ألا تقوم على أساس المنفعة المادية أو المصلحة، ولا على أساس الخوف، بل على أساس إلهي، إذ نلتقي مع الجميع ونعمل من أجل خلاص الجميع مثل إلهنا المحب البشر، الأمر الذي يدعونا إليه أيضا الذهبي الفم في شرحه لرسالة اليوم قائلا: «الحسن والمقبول لدى مخلصنا هو الصلاة من أجل جميع الناس. هذه هي إرادته. تمثلوا بالله، فإنه يريد أن جميع الناس يخلصون. هذا هو سر صلاة الإنسان من أجل الجميع. فإن كان الله يريد أن جميع الناس يخلصون، فلترد أنت أيضا ذلك. وإذ تكون هذه إرادتك، فصل لتتحقق رغبتك هذه التي تقود إلى الصلوات”. بعض المؤمنين في أيامنا ينتقدون إخوتهم الذين يصلون من أجل الآخرين ذوي الإعتقادات المختلفة، لا بل يهرطقونهم علانية، فيما الصلاة من أجلهم تعني التضرع إلى الله كي ينير أذهانهم ويوقظ ضمائرهم ليسلكوا في الطرق المستقيمة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: «لا تخف من أن تصلي من أجل الأمم، فإن الله يريد ذلك، إنما خف من أن تصلي ضد أحد، إذ إن الله لا يريد هذا. إن كنت تصلي من أجل الوثنيين فالطبع يلزمك أيضا بالصلاة من أجل الهراطقة. فلنصل من أجل الجميع ولا نضطهد أحدا». وهذا بحسب قول الرب «أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين» (مت5: 44 – 45)”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نخلص لوطننا ونعمل بصدق وتفان من أجل خيره، متخلين عن نرجسيتنا ومصالحنا، وأن نحب الجميع بلا استثناء، لأننا إذا لم نحب الجميع كما أحب مخلصنا العالم أجمع وبذل نفسه من أجله على الصليب، فلن نكون مستحقين أن ندعى مسيحيين”.