“الصناديق”… والمقايضة على “الجمهوريّة”
كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
إستبق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إعلان المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، جدول الأعمال المرتقب التباحث فيه بمعيّة «الخماسيّة الدولية» في أيلول، بطرح أولويات «التيار» على طاولة المقايضة مع «حزب الله».
فبعد تقاطع «التيار» مع أطياف المعارضة على إسقاط «البراغماتية» الفرنسيّة المتماهية مع ترئيس الثنائي الشيعي رئيس «المردة» سليمان فرنجية مقابل ضمان مشاركةٍ فعالةٍ لقوى المعارضة في السلطة التنفيذيّة، كشف باسيل عبر سلسلة مواقف أطلقها قبل أيام، أنّ الحوار المستجد مع «حزب الله» من شأنه أن يؤدي إلى «التضحية» والتنازل عن اسم رئيس الجمهورية مقابل أثمان يسدّدها الفريق الآخر لن «تكون أقل من لامركزية موسّعة مدفوعة سلفاً بإقرارها بقانون، وصندوق ائتماني مدفوع سلفاً بإقراره بقانون، وبرنامج بناء الدولة».
وإذ استغربت أوساط متابعة أن يعمد باسيل من جديد إلى تقديم نفسه صانع الرؤساء والمؤتمن على مستقبل لبنان وثرواته، تساءلت ما إذا كانت أولويات «التيار» الإمعان في تعطيل الإستحقاقات بهذه الطروحات العشوائية، بعدما أنجز المجلس النيابي درس ما يزيد على 85 في المئة من قانون اللامركزية الإداريّة، الذي يتطلب إحالته على الهيئة العامة للمجلس من أجل إقراره… في حين أن غالبيّة قوى المعارضة تعتبر أنّ المجلس هيئة ناخبة، وترفض المشاركة في الجلسات التشريعيّة قبل انتخاب رئيس الجمهورية. وذلك قبل أن يطالب باسيل من جديد، بإنشاء صندوق إئتماني من أجل «تحقيق الإنماء الوطني المتوازن»، باعتبار أنّ اللامركزية كفيلة بتحقيق «الإنماء المناطقي المتوازن»، وفق التصريحات الأخيرة لرئيس «التيار».
ورغم وجود أكثر من إقتراح قانون مرتبط بإدارة أصول الدولة والبحث في كيفيّة الإستفادة منها والحدّ من تداعيات الأزمة الماليّة غير المسبوقة التي يمرّ فيها لبنان، وهذا ما ينطبق على اقتراح القانون المقدم من تكتل «الجمهورية القوية» والمرتبط بـ»إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة»، أدخل رئيس «التيار» الصندوق الإئتماني في صلب المداولات الرئاسيّة مع «حزب الله»، ومن خارج الأطر الدستورية؛ والتي يمكن الولوج إليها عبر تقديم إقتراح قانون يتضمّن حيثيات استحداث هذا الصندوق ومصادر تمويله وإدارته تمهيداً لدرسه في اللجان النيابية وإحالته على الهيئة العامة لمجلس النواب.
ووسط المحاذير الكبيرة المترافقة مع غياب الحوكمة الرشيدة لعمل الصناديق في لبنان، كشف النائب سيمون أبي رميا لـ»نداء الوطن» أنّ «الصندوق الإئتماني لا يزال فكرة كغالبية الأفكار المرتبطة بإدارة أصول الدولة أو الإستفادة منها، وأن هذا الطرح أتى من وحي الأزمة الإقتصادية ويهدف إلى حماية مقتنيات الدولة والمساهمة في النهوض الإقتصادي. كما أنه يختلف بطبيعة الحال عن «الصندوق السيادي» المرتبط حصراً بعائدات النفط والغاز، الذي تعمد لجنة المال والموازنة إلى درسه».
ولفت إلى انكباب جهاز كبير من أصحاب الإختصاص داخل «التيار»، إلى جانب إستشاريين إستعين بهم من الخارج على بلورة التصوّر العملاني للصندوق الإئتماني. وشدد على أنّ أهمية هذا الطرح تكمن في تأمين التوافق المطلوب مع الآخرين على مبدأ صندوق إدارة أصول الدولة وأهميته، على أن تعرض التفاصيل في مرحلة لاحقة.
ورغم اعتباره أنّ هذا الطرح لا يزال في بدايته بالنسبة إلى «التيار»، لفت أبي رميا إلى أنّ رئاسة الجمهورية هي الجهة الوحيدة المخوّلة الوصاية على الصندوق الإئتماني على غرار اقتراح «التيار» المرتبط بالصندوق السيادي، وذلك وسط تأكيده أنّ ما يخوّل الرئيس الوصاية على إدارة أصول الدولة ومستقبل ثرواته، يعود إلى كون رئيس الجمهورية هو الرئيس الوحيد الذي يقسم على الدستور، قبل أن يختم أبي رميا تاركاً الباب أمام الشركاء في الوطن من أجل تقديم تصور آخر إن وجد وإقناعهم به.
ورغم الإيجابية التي تسود المداولات داخل اللجان النيابية، إلا أنّ الإمتحان الأساسي يكمن في بتّ سلطة الوصاية الصندوق السيادي، أسوة بغيره من الصناديق التي تطرح.
وبعد الإلتباس الذي تركه طرح النائب باسيل، بين الصندوق الإئتماني الكفيل بإدارة أملاك الدولة وأصولها ومرافقها العامة، والقطاعات المنتجة، وبين الصندوق السيادي الذي خرج أمس من لجنة المال والموازنة، والمخصص حصراً لإحتواء العائدات الماليّة المتأتيّة من إستثمار الثروة البتروليّة، فقد كشف النائب ياسين ياسين لـ»نداء الوطن» أنّ بتّ مرجعيّة أو سلطة الوصاية على الصندوق السيادي أخذ حيزاً كبيراً من النقاش وسط مطالبة تكتل «لبنان القوي» بربط الوصاية على الصندوق برئاسة الجمهورية، ومطالبة كتلة «التنمية والتحرير» بربطها بوزارة الماليّة، في حين تطرح كتلتا «اللقاء الديمقراطي» و»الجمهورية القوية» إنشاء نظام مركب يوائم بين الطرحين.
وإن كان باكراً البحث في دقائق توزيع او إدارة عائدات الصندوق قبل إكتشاف حجمها، توقف ياسين عند حتمية العودة إلى الحكومة من أجل تعيين مجلس إدارة الصندوق، مشدداً على أنّ المشكلة الفعلية للمداولات النيابية تكمن في تحديد الإنتماء الطائفي لرئيس الصندوق. وهذا ما دفعه إلى التحذير من العودة إلى التحديات الطائفية التي تحول إلى الآن دون تشكيل الهيئة الناظمة لكهرباء لبنان. وشدد على أنّ القرار النهائي يعود إلى الهيئة العامة لمجلس النواب.
في سياق متصل، برز تخوّف جدّي من إمكانية أن تعمد السلطة السياسية إلى إعادة تعويم نفسها عبر تسخير هذه الصناديق وعائداتها لتحقيق مآربها الخاصة على حساب مستقبل الأجيال القادمة من الثروة النفطية المرجوة، وذلك على غرار تبديد أموال اللبنانيين، بل سرقتها تحت أعين سلطة تشريعية تتغاضى عن إقرار القوانين الإصلاحية، من بينها «الكابيتال كونترول» قبل إئتمانها على إقرار الإصلاحات المرتبطة بمستقبل لبنان وأبنائه.