هجمة ضغوط على لبنان: التسوية الصعبة أو الارتطام القاسي
كتب منير الربيع في “المدن”:
تتسارع الخطى اللبنانية إلى شهر أيلول وما بعده. تتزاحم المؤشرات بين الضغوط الواقعية سياسياً، أمنياً وإقتصادياً.. وبين الضغوط السياسية والديبلوماسية، بانتظار عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، واستعداده لعقد جلسات التشاور بين القوى اللبنانية، التي ستبدأ ثنائية وربما تتحول إلى طاولة عمل موسعة. طلب لودريان من القوى المختلفة أن ترسل توقعاتها وأولوياتها من ورشة العمل هذه لتأطيرها. هناك تسابق بين إمكانية الوصول إلى حلّ وبين الانهيار على وقع جملة متغيرات، تشكل ضغوطاً متتالية. تبدأ من بيان اللجنة الخارجية في الكونغرس الأميركي، والتي تحمل مؤشراً ضاغطاً، بالإضافة إلى التخوف من انعدام القدرة على دفع الرواتب في نهاية شهر آب، وفق ما صرّح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أداء حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري بعدم الدفع من الإحتياطي الإلزامي من دون إصدار قانون أو تشريع هذه العملية، في مقابل عدم القدرة على إصدار هذا القانون أو التشريع لا في مجلس النواب ولا في الحكومة.
الرسالة الأميركية
في حال استمر هذا المأزق المالي من دون إيجاد أي صيغة لتمويل الدولة ومصاريفها، فإن الضغوط ستتراكم أكثر، ما قد يؤشر إلى إمكانية ذهاب البلاد إلى الهاوية بسرعة، خصوصاً في حال استمر موقف منصوري على حاله. وعليه، فإن كل الأوراق تتجمع إما لانتخاب رئيس في الخريف المقبل أو الذهاب إلى انهيار أكبر، وهو ما يجعل القوى السياسية غير قادرة على الاستمرار في هذه اللعبة، بينما الحل الوحيد والأساسي هو انتخاب رئيس وإعادة تكوين السلطة بشكل يسمح بمنع تفاقم مسار الإنهيار والحدّ منه.
في هذا السياق، يبرز دخول أميركي متجدد على الخطّ، من خلال رسالة تم ارسالها من مجلس النواب الأميركي إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، ورسالة أخرى من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إلى الرئيس الأميركي أيضاً، وفي كلا الرسالتين، يتم التصويب على رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بوصفه امتداداً لحزب الله، بالإستناد إلى ما جرى في جلسة 14 حزيران. ومن هنا تتبدى وجهتا نظر، الاولى تستبعد فرض أي عقوبات لا سيما أن بري وعشية الجلسة قد تلقى اتصالاً من فيكتوريا نولاند، وجرى التنسيق حول الجلسة. وهذا تأكيد بالحرص الأميركي على استمرار التواصل مع بري وعدم وضعه في نفس خانة حزب الله، بينما في المقابل هناك وجهة نظر أخرى تقول إن تعطيل النصاب من قبل حلفاء سليمان فرنجية سيكون له ارتداد سلبي على الموقف الأميركي من رئيس المجلس على الرغم من اتصال نولاند به.
التسوية الصعبة
كل ذلك يشير إلى استمرار الضغوط الاميركية من قبل الكونغرس على الإدارة لفرض عقوبات على رئيس المجلس، وهو أمر ترفضه الإدارة التي تتواصل مع رئيس المجلس، بينما هناك من يعتبر أن ما يمنع فرض عقوبات هو ملف الغاز في البحر، خصوصاً ان الإدارة لا تريد أي تعقيدات تطرأ على الملف اللبناني، إنما يريدون الحفاظ على التهدئة والإستقرار. لا يمكن إغفال وقائع هذه الضغوط عن ما يقابلها في سوريا والتي تعيش واقعاً إقتصادياً وسياسياً سيئاً إلى حدود بعيدة، على وقع وقف مسار التطبيع العربي مع دمشق، وهذا يعني أن الضغوط جدية، وأن البلدين يقفان على مفترق طرق أساسي.
في حال كانت التسوية صعبة، في لبنان، بينما يبدو من الواضح أنها شبه مستحيلة في سوريا، فلا بد من توقع ارتداداتها الصعبة والقاسية على المجتمعين، بالتزامن مع المزيد من الضغوط الدولية أو أي تصعيد قد تشهده المنطقة ما سيرخي بظلال قاسية على الواقعين الإقتصادي والإجتماعي، لن يكون بمنأى عنه أي طرف أو بيئة. في هذا السياق، ثمة من يستذكر تجربة لصلاح الدين الأيوبي مع الحروب والمواجهات، عندما كلّف قائد جيشه في الشام إلى إصدار قرار بإبقاء الأسواق مفتوحة دون حراسة وفي خلال تغيّب أصحابها عنها، فاستغرب المسؤول متسائلاً، ليطلب منه صلاح الدين الإستمرار بهذا الإجراء على مدى أيام متتالية، وفي كل يوم كان يسأل إذا ما سجّلت أي شكاوى أو حوادث سرقة، فيكون الجواب بالنفي، عندها قال صلاح الدين:” الآن بالإمكان خوض حرب أو معركة، طالما أن البيئة الداخلية محصّنة إجتماعيا وليس فيها أي حاجة أو دافع للإنحلال.”