نجم ترأس قداسًا بمناسبة مرور 25 عامًا على وفاة الأب الحبيس أنطونيوس طربيه

لبنان يونيو 25, 2023

ترأس الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمة الأباتي بيار نجم القداس الالهي في دير سيدة اللويزة- زوق مصبح قبل ظهر اليوم، لمناسبة مرور 25 عاما على وفاة الأب الحبيس أنطونيوس طربيه، عاونه لفيف من الكهنة المريميين، بحضور عائلة الراحل وحشد من المؤمنين والمكرسين.

وألقى نجم عظة بعنوان “نادوا قائلين: لقد اقترب ملكوت السماوات” (متى 10:7)، قال فيها: “هو الأحد الخامس من زمن العنصرة. هو يوم دعوة الرسل الإثني عشر للرسالة والتبشير بالملكوت، وهو أيضا، وخاصة في هذه الدار، دار سيدة اللويزة: تذكار مرور 25 سنة على وفاة الراهب الماروني المريمي، خادم الله، الأب الحبيس: أنطونيوس طربيه. في إنجيل اليوم، سمعنا دعوة يسوع للتلاميذ ليكونوا رسلا، أي أن يحملوا ما عرفوه وما تعلموه للعالم. أي أن ينطلقوا من اللقاء بالرب إلى اللقاء بالآخر. سمعنا ترداد أسمائهم دلالة على معرفتهم القوية بالرب يسوع، فهم عرفوه وسمعوه وجلسوا على مائدته. كما سمعنا ما دعاهم الله للقيام به: المناداة بملكوت السماوات. ويجب لفت الانتباه إلى أن متى الإنجيلي يأتينا بنص الإنجيل هذا، بعد نص إنجيل الحصاد والصلاة من أجل الفعلة، وضرورتهم في حقل الرسالة، وذلك تشديدا منه على أن الهدف الأول من عملنا في حقل الرسالة هو ليس شخصنا، ولا حتى دعوتنا، بل هو الحصاد، هي الكنيسة، هو خير النفوس الذي يحتل الأهمية الأولى ومنه تأتي أهمية المدعوين وهوياتهم”.

أضاف: “أليس هذا ما عمل من أجله أبونا أنطون طربيه؟ فهو منذ صغر سنه، وبالرغم من تيتمه والصعوبات التي بددت عائلته، وجد في الرب راحته وفي حنان مريم سلام قلبه. عاش الملكوت بتجرد وأراد أن يقدم شيئا للعذراء، فكان سؤاله الشهير لأحد أبناء بلدته المشهود بحسن السيرة والتقوى على الكنيسة، وهو يوسف بطرس طربيه: “يا عمي يوسف شو بدي أعمل عمل مليح لأمنا العذراء؟” أجابه يوسف “صم إكراما لها يوم السبت على مدار السنة”. وهكذا كان. ولم يتخلف يوما عن إتمام المشورة الصالحة طيلة سنين حياته. ثم بفرح وتصميم أراد جبرايل (أي أبونا أنطون لاحقا) أن يقدم نفسه لخدمة الملكوت، تحت كنف العذراء مريم، فكان له أن يدخل الرهبانية المارونية المريمية في عمر السابعة عشرة وأن يتتلمذ في بيت العذراء مريم سيدة اللويزة ليصبح رسولا لابنها يسوع وينادي بملكوت الله. وكان معروفا بروح الجدية والتقشف وحب الصلاة شهادة من إخوته الرهبان. رقي إلى الدرجة الكهنوتية في كنيسة دير سيدة اللويزة في 3 شباط 1935. حبا بالملكوت وتفانيا له، عاش الأب أنطونيوس طربيه حياة مسيحية رهبانية نسكية مشعة، قادت الكثيرين إلى نور المسيح. فكان أبا روحيا مميزا. جسد في حياته روحانية الترهب في الكنيسة المارونية، أي روحانية النسك الرسولي، وذلك من خلال عيشه البطولي فضائل الإيمان والرجاء والمحبة، ومن تلبيته للرسالة في كل مرة كان يطلب منه بأمر الرؤساء إلقاء المواعظ على المؤمنين في القرى والمدن اللبنانية. ولم يرفع نفسه يوما، فكان عندما يطلب منه الصلاة من أجل حالة أو أمر، يرد النفوس بلباقة إلى أن الله يعمل والعذراء تتشفع، وهو ليس إلا عبدا وضيعا يصلي ويصوم”.

وتابع: “اليوم وبعد 25 سنة على وفاة أبونا أنطون المريمي، وبالاحتفال معكم جميعا أنتم الذين أحببتم أبونا أنطون وقصدتموه وصليتم لشفاعته، نتأمل بوجهه المشرق، المفعم بالحب لله وللآخر، الممتلئ سلاما، الغني بنظرة الحنان والرأفة والتواضع، وجه مريمي نشأ في حضن العذراء مريم: هو وجه الراهب المتجرد، الذي أحب يسوع بكل جوارحه، واغتنى من تعاليمه وتجرد من كل ما ليس منه، وقد كتب هو نفسه على باب قبره: “دخلت الرهبنة فقيرا وخرجت منها غنيا”. وكم هو اليوم غني بمحبة الله والبشر. هو وجه الراهب المصلي بفرح وبتسليم كلي لله: بعد تقدمه من سر الاعتراف والمناولة الذي كان يحمل له كل صباح، كان يغوص بالصلاة العميقة والشكران لساعات طوال، فكان في حالة انخطاف روحي، وكأنه ليس من هذا العالم، يتذوق الملكوت، فيسطع بنور أبيض كأنه نور القمر في ليلة صافية. هو وجه الكاهن الذبيحة الذي يعرف رحمة الله: كان يتألم في كل عضو من أعضاء جسده النحيل؛ فأمراض العظم والمفاصل قد عطلت كل حركة فيه، والأمراض الفطرية منعته من الكلام، ومع ذلك لم يتأفف ولم يتذمر، وكانت صلاته الوحيدة والمقوية والمعزية كلما اشتدت عليه الأوجاع “إرحمني يا الله كعظيم رحمتك”. وقد شابه أيوب البار في أوجاعه وجروحه وصبره، حتى أصبح كمعلمه الإلهي المعلق على الصليب مشهدا أمام الله والبشر. هو وجه الكاهن الملاك: كان في مثله يعلم الكثير، فهو في ابتسامة ملائكية دائمة ووجهه منير وبشوش، تفيض منه القداسة، ويشعر ناظره بسلام الرب في قلبه. فتخال نفسك أنك أمام ملاك في جسم إنسان. وقد أعطاه الله موهبة إراحة الغير، فكلماته القليلة والبسيطة غالبا ما كانت كافية لتخلق في داخل الإنسان أملا جديدا وسعادة لا توصف. هو وجه الرضى والامتنان: لم يفقد يوما الأب أنطونيوس لطافته وهدوءه أو سلامه، بالرغم من أوجاعه، فكانت ابتسامته ودمعته السخية تنهمر على وجهه بعد كل خدمة تقدم له، وعند ذكر العذراء مريم”.

وقال: “في أحد دعوة يسوع للرسل، لا يمكننا إلا أن نشكر الله على دعوة هذا الراهب المريمي، الذي عمل طيلة سنين بهمة ونشاط وغيرة، وسهر متواصل في التعبد والتنسك وعيش المشورات الإنجيلية، وتمم الممارسات الرهبانية وأعمالها، وحفظ الفضائل الإلهية والأدبية. وها ربع قرن قد مر ولا زال أبونا أنطون يعمل في خدمة الملكوت، فلا يرد طلبا ويسارع إلى نجدة من يقصده. وسيرته السامية، تعلمنا أن نكون على غراره: مدمنين على الصوم والصلاة والسجود والتأمل العقلي وإكرام أم الله مريم العذراء والتعبد للقربان المقدس. وإن صعبت علينا، نطلب دعمه ونلتجئ إلى مريم التي يقول عنها: “مريم العذراء هي الزيتونة المغروسة في الحقل الإلهي التي يقطر منها على الدوام زيت المراحم. العذراء مريم شجرة مثمرة، وثمارها الناضجة تنادي الجميع: تعالوا إلي، من أكل مني لا يرى الموت أبدا”.

وختم نجم: “إخوتي الأعزاء، لا تخافوا أن تطلبوا صلاة أبونا أنطون ولا تترددوا أن تلجأوا إلى مريم كما كان يطلب، ولا تنسوا أن يسوع هو الطريق إلى الملكوت ومن دونه نضيع. كما أطلب منكم الصلاة أيضا من أجل الراحل العزيز، الأب فيليب الحج المريمي الذي فارقنا في أواخر العام الماضي، والذي كان يتغنى بمرافقة أبونا أنطون أواخر سنين حياته، وكان من الأوائل الذين أصروا على فتح ملف قداسة الأب أنطونيوس طربيه. أيها الرب يسوع، يا من رافقت خادمك الأب أنطونيوس طربيه في مسيرة حياته على دروب الرسالة من أجل الملكوت، هبنا أن نتعلم منه كيف نحول ظروف حياتنا وأحداثها اليومية إلى فرص تساعدنا على حبك والعمل بمشيئتك الإلهية. إننا نلتمس منك أن تجعل اسمه بين الأبرار والصديقين وأن تعطينا فعلة لحصادك الثمين، وأن تنصرنا على الشدائد، بشفاعة أمك مريم سيدة اللويزة، فلا ننفك نعلن إيماننا بك أيها الثلوث العظيم. آمين”.

:شارك الخبر