الألعاب الأولمبية: تاريخ حافل بالسياسة والفضائح
تخللت دورات الألعاب الأولمبية على مدار تاريخها أحداثا مهمة مثيرة للجدل، سواء فيما يتعلق بالمنافسات الرياضية ذاتها، أو أمور أخرى مرتبطة بأحداث سياسية أو اجتماعية.
وطوال تاريخها، برزت هذه الدورات باعتبارها ساحة للجدل بشأن قواعد العمل المنظمة للألعاب، أو بشأن أحداث مرتبطة بفترات تاريخية معينة.
وفي الدورة الأخيرة، التي انطلقت الجمعة، في باريس، أثار ظهور أشخاص يجسدون المثلية ويحاكون “لوحة العشاء الأخير” غضب الكثير من الشخصيات الدينية المسيحية حول العالم.
وحتى قبل انطلاق ألعاب باريس، ظهرت بعض المشاكل والعقبات، أبرزها الهجوم الذي تعرضت له شبكة سكك الحديد الفرنسية، ليل الخميس الجمعة، بالإضافة إلى “فضائح” طالت رياضيين ومدربين من المشاركين في هذه الدورة الصيفية.
وفي دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية في لندن عام 2012 طرِد لاعب كرة القدم السويسري، ميشيل مورغانيلا، من الألعاب بسبب تعليقات عنصرية أدلى بها على موقع “تويتر” (إكس حاليا)، ضد الكوريين. وفي ذلك الوقت، كتب اللاعب بعدما خسر فريقه أمام كوريا الجنوبية عن رغبته في “ضرب كل كوري”، واصفا الكوريين بـ “حفنة من المنغوليين”.
ونددت اللجنة الأوليمبية بتعليق لاعبة القفز الثلاثي اليونانية، باراسكيفي باباخريستو، بشأن الأفارقة وعلاقتهم بتفشي فيروس غرب النيل في اليونان، وقالت اللجنة إنه تعليق “غير حساس ومهين”.
وفي عام 1994 منعت لاعبة التزلج على الجليد الأميركية، تونيا هاردينغ من ممارسة هذه الرياضة بعد اعتدى زوجها السابق على منافستها، نانسي كيريغان، في محاولة لسحق أحلامها الأولمبية، بعدما كانت على وشك التحقيق، وكانت تلك واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ هذه الرياضة.
وفي السادس من يناير 1994، تعرضت كيريغان لاعتداء جسدي جعلها غير قادرة على ممارسة هذه الرياضة مرة أخرى، بينما كانت أفضل متزلجة على الجليد في الولايات المتحدة وكانت مرشحة للفوز بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1994، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
واعترفت هاردينغ لاحقا بالذنب لعدم تعاونها مع المدعين العامين، وتم تغريمها 160 ألف دولار ومنعها من المشاركة في مسابقات التزلج مرة أخرى، بينما سجن زوجها السابق.
وفي دورة الألعاب الأولمبية 2016 في ريو دي جانيرو، برزت فضيحة تعاطي أكثر من 100 لاعب روسي للمنشطات، ومنعوا من المشاركة في الدورة.
وكانت اللجنة الأولمبية الدولية أجرت تحقيقا مع جميع الرياضيين الروس الذين كان من المقرر مشاركتهم بعد مزاعم عن تعاطيهم “المنشطات”. ووفقا لرويترز، تمت الموافقة على مشاركة 271 رياضيا، أي 70 في المئة فقط من حجم الفريق الأصلي، للمنافسة، بينما تم حظر 116 رياضيا روسيا.
وفي تلك الألعاب أيضا، ونتيجة لأزمة اللاجئين العالمية في عام 2015، تمت مشاركة فريق أولمبي للاجئين للمرة الأولى. وكانت قد تمت الموافقة على إنشاء هذا الفريق خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي تلك الدورة، سار 10 رياضيين من سوريا وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى حفل الافتتاح تحت العلم الأولمبي، مباشرة قبل الدولة المضيفة البرازيل.
وقبل دورة الألعاب الأولمبية 2020 في طوكيو، التي تأخرت حتى عام 2021 بسبب جائحة كورونا، أعلن الاتحاد الدولي للسباحة عن قواعد جديدة لقبعات السباحة.
ومن جانبها، اتهمت شركة تصنيع قبعات مخصصة لذوي الشعر المجعد الشركة المنظمة بأنها رفضت قبعات السباحة المخصصة للسباحين السود، بحجة أنها لا تتناسب مع “الشكل الطبيعي للرأس”.
وردا على قواعد الاتحاد، اعتبرت العضو المؤسس لجمعية السباحين السود، دانييل أوبي، في تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية، أن القرار يؤكد عدم وجود مساوة في النظام الرياضي. وقالت إن القبعة المعتمدة، تناسب “الشعر القوقازي”، لكنها لا تناسب الشعر الأفريقي بحسب تصريحات أوبي.
وفي أولمبياد مكسيكو سيتي 1986، وقعت حاثة اعتبرت شاهدة على حركة نضال السود ضد العنصرية والتمييز في ذلك الوقت.
وخلال أثناء تتويجهما بميداليتين بسباقات الركض، رفع رياضيان أميركيان من أصل أفريقي (تومي سميث وجون كارلوس) قبضتيهما مرتديين قفازات سوداء في الملعب الأولمبي في مكسيكو سيتي.
ولمدة طويلة أصبحت هذه الصورة رمزا لحقبة الستينيات المضطربة، وما تخللها من نضال من أجل المساواة بين البشر، واعتبرت الصورة بأنها تحية لـ”قوة السود”، لكن سميث وصفها بأنها “تحية لحقوق الإنسان”.
وخلال دورة الألعاب الأولمبية عام 1980 في موسكو، أطلق الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، حملة مقاطعة الألعاب احتجاجا على الغزو السوفييتي لأفغانستان. وفي المجموع، رفضت 65 دولة المشاركة في تلك الألعاب.
وكان كارتر قد رد على الغزو بسلسلة من الإجراءات للضغط على السوفييت للانسحاب. وشملت هذه التدابير مقاطعة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 1980، وهي الدعوة التي قوبلت بإيجابية لدى الحكومات الغربية، وفق وزارة الخارجية الأميركية.
واكتسبت الفكرة شعبية عندما دعا المنشق الروسي، أندريه ساخاروف، إلى المقاطعة في أوائل يناير. وفي الرابع عشر من يناير 1980، انضمت إدارة كارتر إلى حملة ساخاروف بتحديد موعد نهائي يتعين على الاتحاد السوفييتي بحلوله الانسحاب من أفغانستان أو مواجهة العواقب، بما في ذلك المقاطعة الدولية للألعاب.
وعندما مر الموعد النهائي بعد شهر دون أي تغيير في الوضع، دفع كارتر حلفاء الولايات المتحدة إلى سحب فرقهم الأولمبية من الألعاب المقبلة.
وكانت الدعوات لمقاطعة الأحداث الأولمبية شائعة في تلك الحقبة. وقبل أربع سنوات فقط من أولمبياد موسكو، قاطعت معظم دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الألعاب الصيفية في مونتريال احتجاجًا على حضور نيوزيلندا بعد أن أرسلت الأخيرة فريقها للرجبي للعب ضد فريق جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري.
وفي عام 1956، قاطعت العديد من حكومات أوروبا الغربية الألعاب في ملبورن بسبب الغزو السوفييتي للمجر في ذلك العام.
والجدير بالذكر أن الاتحاد السوفييتي قاطع أولمبياد لوس أنجلوس 1984.
وبرزت السياسة الجزائرية أيضا في أولمبياد برشلونة 1992، التي شاركت فيها حسيبة بولمرقة التي باتت أول جزائرية تفوز بميدالية ذهبية أولمبية في سباق الـ1500 متر.
وقبل انطلاق الدورة، تلقت العداءة الجزائرية وعائلتها تهديدات بالقتل من قبل مجموعات متشددة إسلامية لأنها كانت تركض مرتدية سروالا قصيرا، بل وتم اعتبارها “معادية للإسلام”.
وقالت بولمرقة في مقابلة سابقة: “أتذكر ذلك جيداً. كانت صلاة الجمعة في مسجدنا المحلي، وقال الإمام إنني لست مسلمة، لأنني ركضت مرتدية سروالاً قصيراً، وكشفت عن ذراعي وساقي. وقال إنني معادية للمسلمين”.
ووصلت بولمرقة إلى برشلونة قبل يوم واحد فقط من السباقات عبر طرق غير معروفة، ويوم السباق، تم اصطحابها إلى الاستاد تحت حراسة مسلحة.
وقالت: “كان رجال الشرطة في كل مكان. في الاستاد، وفي غرف تغيير الملابس، حتى أنهم رافقوني إلى الحمام!”.
وشهدت أولمبياد سيدني 2000 أحداثا مثيرة للجدل في ما يتعلق بالحفاظ على قواعد وأنظمة اللعبة، إذ تم الإبلاغ عن حالات لتعاطي منشطات، من أشهرها قضية العداءة الأميركية، ماريون جونز، التي قدمت أداء جيدا للغاية وفازت بخمس ميداليات، قبل أن يتبين أنها تناولت عقاقير معززة للأداء.
وتم تجريد لاعبة الجمباز الصينية، دونج فانجشياو، من الميدالية البرونزية التي حصلت عليها بدورة الألعاب الأولمبية 2000، بعدما وجدت التحقيقات التي أجراها الاتحاد الدولي للجمباز أنها كانت تبلغ من العمر 14 عاما فقط في تلك الدورة. (ولكي تكون مؤهلة، يجب أن يبلغ لاعبو الجمباز 16 عامًا خلال العام الأولمبي).
وفي ألعاب عام 2000، تم حرمان أفغانستان من المشاركة بعد أن أوقفت اللجنة الأولمبية الدولية عمل اللجنة الأولمبية الوطنية الأفغانية في أكتوبر 1999، “لأنها لم تعد قادرة على العمل تحت نظام طالبان المتشدد”.
وقالت إن اللجنة التي تديرها طالبان لا تفي بمتطلبات اللجنة الأولمبية الدولية للاعتراف بها، لأسباب من بينها منع طالبان النساء من المنافسة في الألعاب الرياضية.